التكنولوجيا و كرة القدم “الجزء الثاني”

عمار15 سبتمبر 2020آخر تحديث :
التكنولوجيا و كرة القدم “الجزء الثاني”

إلى جانب تقنية خط المرمى، طُبّقت في النسخة السابقة التي نظمتها روسيا، وأبهرت العالم بملاعبها ومعالمها وأجواءها، تقنية الـ VAR التي تمكّن الحكام القابعين في قاعة خارج المستطيل الأخضر، من التدقيق في الجزئيات التي يمكن أن يغفل عنها قاضي الساحة، وينبهونه لها، ليعود إلى الشاشة ويرى التسجيل بالعرض البطيء ليؤكد حينها قرارهُ: ركلة جزاء، طرد (لمسة يد متعمدة، تدخّل خشِن… إلخ) أو تُفنّده التقنية. هي تقنية تحمل في ثناياها سلبيات وإيجابيات، ومن سلبياتها نذكر على سبيل المثال لا الحصر: فقدان حلاوة تسجيل الأهداف بطرقٍ غير مشروعة عبر التسلسل أو ارتكاب الخطأ بطريقةٍ ذكية والقيام بالتمويه، وتفادي الطرد عبر الاحتجاج بشكلٍ معقلن يجعلُ الحكم مُتعاطفاً رغماً عنه، دون نسيان إهدار الوقت، حيث يقضي الحكم في مشاهدة اللقطة وإعادتها والتأكد منها ما ينيف عن خمس دقائق في بعض الأحيان. ومن إيجابياتها نذكر: إعطاء لكلّ ذي حقٍّ حقه دون هضمه، فوزُ من يستحق، غياب التمويهات والاحتجاجات المعقلنة.

تقنية مميّزة لكنّها انتزعت من كرة القدم جزءاً مهمّاً. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذّهن هو: لماذا يتحاشى المحللون الرياضيون، الذي يحظون بشهرة واسعة في منصات التواصل الاجتماعي، الحديث عن هذه التقنية وإبداء رأيهم فيها بصراحة دون مواربة؟ هل لأنّهم يخافون الطعن في فريقٍ معيّن ساعدته هذه التقنية، سواء بشكلٍ مباشر أم بشكلٍ غير مباشر، في تحقيق نتائج مُرضية لأنصاره، ويتسبب ذلك في فقدانهم لعشرات المتابعين، والتفاعلات التي تقدرُ بالآلاف في غالب الأحايين؟ هذه التقنية تستوجبُ التقنين لأنّها حرمت منتخبات وأندية من فوزٍ مستحق سيقودها إلى منصة التتويج التي لا تقبلُ فوق ظهرها إلّا المثابر، أو اعتلاء صدارة بطولةٍ ما، في حين أنّها منحت لمنتخبات وأندية ما لا تستحقّه، وكأنّها تقنية جيء بها من أجل أن تروّض نتائج بشكل عقلاني ومنطقي دون أن تترك مساحةً للشك وكل ذلك باسم القانون.

أنا مع التطور التكنولوجي ومواكبته والاستفادة منه قدر الإمكان، لكن أن يصبح هذا التطور هو الوجه الرّسمي لهضم الحقوق ومنح التتويجات بالورق لا بالعرق، فأنا أرفضهُ رفضاً تاماً. إنّ المطّلع على تاريخ أعرق البطولات الأوروبية وأمجدها “دوري أبطال أوروبا” والمطّلع على سجلات تاريخ كأس العالم سيدركُ تماماً أن التتويجات كانت تمنح في السابق باسم السياسة والسلطة، والآن، في عصر التكنولوجيا والرّقمنة والشّبكة العنكبوتية، أضحت تمنح بقوّة القانون، رغم أنّ المشاهد يعرفُ الحقّ، لكن ما باليد حيلة، وبالرغم ما يكتب عما أسفرته هذه التقنية لم تكن هناك التفاتة مقبولة من الفيفا تشفي غليل المشاهد، وحتى لو كانت هناك التفاتة فسيكون الاعتذار متأخراً والوصمة باقية.

تكنولوجية خطّ المرمى وتقنية الـ VAR هما تقنيّتان ستمنحان الشيء الكثير لكرة القدم، لكن إذا تمّ التعامل معهما بشكلٍ عقلاني دون هضم حقوق الخصمين، وإلّا ستتحولان إلى تقنيتين تنتزع الحقوق من هذا الفريق وتمنحها للآخر، وهنا يمكننا أن نقول وداعاً للنّزاهة في الملاعب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل