هل تعلم أن ”شخصية“ الأعور الدجال موجودة في مختلف حضارات البشر؟ وما رأي العلم بهذه الأسطورة؟

عمار9 مارس 2021آخر تحديث :
هل تعلم أن ”شخصية“ الأعور الدجال موجودة في مختلف حضارات البشر؟ وما رأي العلم بهذه الأسطورة؟

يحاول البشر منذ أقدم العصور تفسير ما يحدث حولهم، وفيما نبني تفسيراتنا وتحليلاتنا اليوم استناداً إلى مناهج علمية ومبادئ محددة، لجأ أجدادنا إلى الأساطير والقصص لتفسير الحوادث من حولهم بما يتناسب مع ما امتلكوه من أدوات وعلوم ومخيّلات. تعجّ الثقافات حول العالم بمختلف هذه القصص والتي ما نزال نتناقل بعضها فيما بيننا وإن كان ذلك بهدف الاستمتاع بتلك القصص وما تحمله من ابداع. وعلى الرغم من الفروقات التي قد نجدها بين القصص والأساطير من بلد لآخر ومن حضارة لأخرى، يبدو أن الحبكات والشخصيات تتقاطع وتتشابه في جوهرها.

وهذا ما سنراه اليوم في مقالنا عن هذا الكائن ذو العين الواحدة والذي أثار اهتمام الباحثين والمؤرخين إلى أن اكتشفوا من أين خلقت مخيلة البشر هذا الوحش. لا يختلف هذا الكائن الأسطوري عما تحدثنا عنه من تشابه واختلاف بين العديد من المعتقدات والثقافات عبر العصور؛ وفيما يتغيّر اسمه ووصفه من ثقافة لأخرى تبقى عينه الوحيدة علامةً فارقة ولربما أيضاً رائحته النتنة!

سنتناول في مقالنا هذا وصف الكائن عبر ثقافات مختلفة والمصدر الذي يُعتقد أنه الأصل في ابتكار هذا الكائن.

الأعور الدجال في الديانات الإبراهيمية

يُطلق عليه أيضاً المسيح الدجال، ويُذكر أنه من علامات القيامة. يختلف وصف الأعور بين الديانات الثلاث، فحسب الديانة الإسلامية، يوصف بأنه ذو شعر أحمر مجعّد، لا يُعرف إن كان ذكراً أم أنثى، ومكتوب على جبهته كلمة كافر لا يتمكن من قراءتها إلا كلّ مؤمن حقّ. لكن أهم ما يختلف فيه الوصف عبر الروايات والأحاديث في الإسلام هو إن كان هذا الدجال أعوراً في عينه اليسرى أم اليمنى.

تروي الأحاديث أن هذا الكائن سيتظاهر بأنه المسيح عيسى بن مريم ثم تجري ملاحقته ليُقتل على يد المسيح الحقّ. فيما يوصف حسب الديانة المسيحية بأنه سيجلس في معبد مدعياً أنه يملك سلطةً إلهية وسيؤدي معجزات مزيفة ليُقنع الناس بماهيته ويعيث فساداً في الأرض.

سايكلوب في الأساطير اليونانية

تعني كلمة (سايكلوب) دائري العين، وتظهر هذه الكائنات في الأساطير اليونانية كجنس مشوّه عن العمالقة ولدتهم (غايا) إلهة الأرض من (أورانوس) إله السماء. تختلف طبيعتهم حسب الراوي، إذ يظهرون في مؤلفات (هوميروس) كمربيّ ماشية وآكلي لحوم بشر، يعيشون حياةً غير متمدنة، فيما يجعلهم (هسيودوس) صناعاً مقتدرين وحرفيين مهرة ويذكر أنهم من صنعوا لأب الآلهة (زيوس) صواعقه، ومن ثم أصبحوا عمالاً لدى (هيفيستوس) إله الحدادة والنار والصناعة.

هيتوتسومي–كوزو في اليابان

يعتبر هذا الكائن مسالماً للغاية بالمقارنة مع باقي وحيدي الأعين، حتى أننا نعلم أن طعامه المفضل هو التوفو. يتخذ هذا الكائن مظهر راهب ويظهر للناس ليفاجئهم. يشتهر بأنه يحمل معه دوماً دفتر ملاحظات ويتجوّل بين المنازل ليتحقق من أقفال الأبواب والنوافذ، ويتأكد من حسن أخلاق أصحابها ويدوّن ما الأخطاء التي يرتكبونها ليرفع تقريراً بها إلى (ياكوبيوإيغامي) إله الطاعون ليجلب على أصحاب المنازل ذوي السمعة السيئة حظاً سيئاً. وتتركز إحدى تقاليد منطقة كانتو في اليابان على إجراء طقس تُحرق فيه دفاتر ملاحظات كمبادرة لتجنب سوء الحظ.

هناك أيضاً (هيتوتسومي–نيودو)، وهو أيضاً كائن خرافي، أو يوكاي مثلما يُطلق عليهم في الفولكلور الياباني وتعني ”الشبح“ أو ”الروح“. هذا الكائن هو عبارة عن وحش ذي عين واحدة أيضاً، وقد يتجسد بهيئة ثعلب، لكن كلا الكائنين يتخذا أغلب الأحيان هيئة راهب، وأحياناً بقدم واحدة أيضاً.

مابينغاري في غابات الأمازون

تبعاً لأساطير الشعوب التي استوطنت البرازيل، كان هذا الكائن في ما مضى شاماناً في غابات الأمازون حدث أن وقع على مفتاح الخلود، لكن اكتشافه هذا وانتهازه الفرصة ليعيش إلى الأبد أثار حنق الآلهة وغضبهم ما دفعهم لأن يعاقبوه بتحويله إلى وحش، وهنا يبدأ الجدل في هذه القصة، إذ تختلف الروايات حول ما إذا كان هذا الكائن حيوان كسلان عملاق أو عملاقاً بشرياً كثيف الشعر بعين واحدة. تتحدث الأساطير أن رائحته لوحدها كفيلة بأن تفقد الشخص وعيه، وأن جلده كجلد الكيامن (وهو تمساح أمريكي استوائي) وأن له فماً في بطنه يصل فوراً إلى معدته.

بابنجواري في أستراليا

ستفقدك رائحة هذا العملاق ذو العين الواحدة صوابك أيضاً. يظهر هذا الكائن في أساطير السكان الأصليين لأستراليا ويبلغ طوله 6 أمتار. يُقال أن هذا الكائن يتغذى على أجساد الموتى ويشرب من دماء المرضى حتى يجفف عروقهم، ثم ينطلق كالشهاب في السماء لينشر الأمراض والأوبئة أينما حلّ. وتذكر روايات أخرى أن الشهب التي تظهر في السماء هي (بابنجواري) يتنقل حاملاً في يده مشعلاً. يستطيع هذا الكائن أن يتحكم بحجمه فيصغر ويكبر كما يحلو له، وتساعده هذه الخاصية في الدخول إلى مجرى دم ضحاياه ليشرب آخر قطرات دمائهم.

تيبيغوز في تركيا

يظهر هذا الكائن لأول مرة في أقدم ملحمة أسطورية عُرفت لدى أتراك الأوغوز، كتاب ”دده قورقوت“. بقيت من هذا الكتاب نسختان إحداهما في مكتبة دريسدن وتحوي 12 حكاية أسطورية، والأخرى في الفاتيكان وتحوي 6 حكايات.
تروي إحدى الحكايات قصة (تيبيغوز) كالتالي: في أحد الأيام، يجد راعٍ حورية قد أنجبت للتو، وفيما يقترب من الرضيع ليراه، يجد كتلةً وحشية من اللحم فيخاف ويهرب. ثمّ يأتي أحد خانات الأوغوز فيجد الحورية ورضيعها، وفيما يروّعه مظهر كتلة اللحم لا يهرب، لتنشق ويظهر منها صبي صغير أعور. يخبر الخان الحورية أنه سيأخذ ابنها وسيعتني به. وقد كان للخان ابن آخر، وهكذا يربيهما معاً كأخوين، وكلما كبر الفتى الأعور أدرك الخان أنه أخطأ بتبنيه، إلى أن يأتي يوم ويعضّ الأعور أنف وأذن أخاه نصف الشقيق ونتيجةً لذلك يُطرد الفتى من المنزل ليتجوّل في البراري ويصبح أشرس وأكثر وحشية كلما كبر، وحين يبدأ بتدمير كلّ شيء من حوله، يقرر السكان التخلص منه، لكنهم يفشلون في فعل ذلك فجلد الأعور سميك لا يخترقه سيف ولا رمح، إلى أن يقرر (دده قورقوت) أن يخرج لإيقافه.

وبالفعل، يذهب لمقابلته ويطلب منه أن يترك شعبه وشأنهم، لكن (تيبيغوز) يطلب مقابل ذلك 60 شخصاً كل يوم، فيرفض (دده) ويعرض عليه رجلان و500 خروف فيوافق الأعور، لكن سرعان ما تنفذ الخراف فيهجم (تيبيغوز) مرةً أخرى على شعب الأوغوز، ليتمكن في النهاية أخاه نصف الشقيق من التصدي له فيقتله بضربة على عينه وسيف سحري يستخدمه ليقطع رأس (تيبيغوز) ويخلّص شعبه منه إلى الأبد.

من أين أتى هذا الكائن؟

تُشير الأبحاث أن ملهم هذا الكائن العجيب باختلاف تفاصيله عبر الثقافات والشعوب هو كائن تجوّل في أنحاء الأرض في العصور القديمة ويُعرف باسم (دينوثيريم جايغانتوم) ما يُترجم إلى ”الحيوان الرهيب“، وتُسمى تلك الكائنات بالعربية بـ دينوثيريا. يشبه هذا الكائن الفيلة إلى حدّ كبير، بل على الأرجح أنه أحد أقرباء الفيلة حيث ينتمي لفصيلة الخرطوميات، إلا أن نابيه يتوضعان في فكه السفلي ويبلغ ارتفاعه ما يقارب 5 أمتار. انقرض هذا الكائن قبل أكثر من مليون عام فكيف حدث أن ألهم تلك الثقافات؟

في الواقع، يُعتقد أن بقاياه هي ما ألهم أسطورة العملاق ذو العين الواحدة. تحوي جمجمة هذا الكائن فراغاً كبيراً في منتصفها، نعرف اليوم بالطبع أن هذا الفراغ نتيجة وجود الخرطوم قبل أن يتحلّل، لكن أجدادنا قرروا أن يتركوا لخيالهم العنان كما فعلوا حين فسروا العديد من الظواهر الأخرى كحدوث البراكين والزلازل وشحّ المياه وغيرها، وقد كان أقرب ما استطاعوا أن يفسروا إليه تلك البقايا العملاقة التي وجودها أن ينسبوها إلى وحش كاسر مدمّر ودموي يعيث في الأرض فساداً، لكن الحقيقة أن (دينوثيريم) كان كائناً نباتياً، وسبّاحاً ماهراً (وهنا تتحطم أسطورة الرائحة الكريهة).

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل