حل الوزير الأول، وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان، اليوم الثلاثاء بالكاف التونسية، حيث أشرف مناصفة مع رئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، على إحياء الذكرى الـ 64 لأحداث ساقية سيدي يوسف.
وكان في استقبال الوزير الأول والوفد المرافق له بالحدود الجزائرية التونسية، رئيسة الحكومة التونسية.
وبالمناسبة، ألقى الوزير الأول كلمة، وفيما يلي نصها الكامل:
إنه لمن دواعي الغبطة والسرور أن ألتقي مجددا، وبعد أقل من شهرين من زيارتي إلى تونس، بإخوتي وأشقائي هنا على هذه الأرض الطيبة المعطاءة وفي هذه المنطقة المجاهدة التي امتزجت على أديمها دماء الشعبين الجزائري والتونسي، لنُحيي معا الذكرى الرابعة والستين لأحداث ساقية سيدي يوسف الخالدة، ونستحضر بكل إكبار وإجلال التضحيات الجسام لشهدائنا الأبرار والملاحم النضالية التي صنعوها من أجل التحرر من نير الاستعمار واستعادة الاستقلال.
في مثل هذا اليوم من عام 1958، أبى الشعبان الجزائري والتونسي إلا أن يسجلا صفحة خالدة من تاريخهما المشترك، ليصنعا فيها أعظم وأبهى صور التلاحم والتآزر دفاعا عن قيم الحرية والكرامة، في قناعة تامة أن قوة وعمق الروابط التي تجمع بلدينا وشعبينا هي أكبر من أن تنالها غطرسة المستدمر وعنجهيته الظالمة.
لقد برهنت هذه الأحداث للعالم أجمع آنذاك عن همجية الاستعمار الفرنسي ووحشية أساليبه وسياساته القمعية تجاه الشعوب التي تتوق للتحرر والانعتاق.
كما أنها أسهمت في لفت انتباه الرأي العام العالمي إلى ما وصلت إليه الثورة الجزائرية من تنظيم وقوة، ومدى نجاحها في إرباك المستعمر الذي سخر كل إمكانياته العسكرية لإخماد نارها.
وستظل تضحيات شهدائنا الأبرار الذين سقطوا في هذه المجزرة الوحشية مصدر إلهام للأجيال القادمة، تستلهم منه معاني الأخوة والتضامن والتعاضد، وتستقي منه الدوافع والمحفزات في تعزيز عرى التعاون بين بلدينا الشقيقين.
السيدات والسادة،
إن وجودي بينكم للاحتفال بالذكرى المخلدة لهذه الملحمة البطولية إنما هو بتكليف من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي يحرص على أن تحظى علاقتنا بالشقيقة تونس بالخصوصية والتميّز لما يجمع البلدين من وشائج أخوة وحسن جوار وتاريخ ومصير مشتركين.
وقد عبّر عن هذه الارادة الصادقة التي تطبع التعاون بين الجزائر وتونس، رئيسا البلدين بمناسبة زيارة الدولة التي قام بها السيد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى بلده الثاني تونس، يومي 15 و16 ديسمبر 2021، والتي كُللت بالتوقيع على عدد هام من الاتفاقات الثنائية بين البلدين في شتى المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتُوجت بإعلان قرطاخ الذي يرسم معالم طموحة للرقي بعلاقاتنا.
إن نتائج هذه الزيارة الرئاسية ستتبلور أكثر في الاستحقاقات الثنائية القادمة، لاسيما اجتماع اللجنة الكبرى المشتركة الجزائرية-التونسية، وهذا بغية الارتقاء معا بمستوى التعاون الثنائي إلى مصاف شراكة فعالة ومتضامنة، تكون في مستوى تطلعات شعبينا الشقيقين، ومبنية على أهداف التكامل والاندماخ، وفق ما تقتضيه متطلبات الحاضر ورهانات المستقبل.
ولعل من أبرز هذه الأوليات التي ستكون بلا شك موضوع تشاور وتنسيق مستمرين بين حكومتينا هي تحقيق التنمية والتكامل بين المناطق الحدودية الجزائرية والتونسية، عبر وضع تصورات جديدة وبعث مشاريع تنموية مبتكرة من شأنها أن تكون أكثر واقعية وتعود بالمنفعة المتبادلة والمشتركة لسكان هذه المناطق.
السيدات والسادة،
مثلما امتزجت دماؤنا بالأمس في سبيل الحرية والكرامة، ها هي جهودنا ومساعينا تتكاتف اليوم لبناء علاقات تعاون خاصة واستثنائية بين الجزائر وتونس.
ولا يفوتني، في هذا المقام الكريم، أن أعبر عن عميق ارتياحي لما حققناه معا في هذا المسعى النبيل، ولما آلت إليه العلاقات الثنائية، التي تستحق أن تكون نموذجا يحتذى به في التعاون والتفاهم وحسن الجوار، وحجر أساس متين لبناء فضاء إقليمي متجدد يكون أكثر اندماجا ونجاعة، لاسيما في ظل محيط إقليمي ودولي تتسارع فيه الأحداث وتتعاظم فيه المخاطر والتحديات التي منها ما يستهدف أمن واستقرار منطقتنا على وجه الخصوص.
وفي الأخير، لا يسعني إلا أن أعبّر مرة أخرى، باسم الحكومة الجزائرية، عن إرادتنا القوية وعزمنا الثابت على ترسيخ ما يجمعنا من أخوة وتآزر وتعزيز أواصر التعاون الثنائي في شتى الميادين، بما يخدم طموحات الشعبين الجزائري والتونسي.