عطاف: الجزائر تسعى من خلال قمة جدة إلى مواصلة لم الشمل العربي

عمار17 مايو 2023آخر تحديث :
عطاف: الجزائر تسعى من خلال قمة جدة إلى مواصلة لم الشمل العربي

ألقى وزير الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، اليوم الأربعاء، كلمة خلال أشغال المجلس الوزاري التحضيري للدورة الـ32 لمجلس جامعة الدول العربية التي تنعقد أشغالها بمدينة جدة السعودية.

وجاء في كلمة الوزير أحمد عطاف كالآتي:

يطيب لي، في مستهل كلمتي هذه، أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى أخي سمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، وزير خارجية المملكة العربية السعودية الشقيقة، على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وسخاء العناية في بلاد الحرمين الشريفين. كما أود أن أتوجه لسموه بأسمى آيات تقديرنا وامتناننا على جهوده الحثيثة الرامية لجمع كل شروط نجاح الدورة الـــ32 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة ولمدها بأنجع سبل الاستجابة لتطلعات شعوبنا المشروعة وطموحاتهم الثابتة.

كما أشكر معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية، السيد أحمد أبو الغيط، وسائر فريق الأمانة العامة، على تفانيهم وإتقانهم في الإعداد لاجتماعنا اليوم وللاجتماع المرتقب لقادتنا في غضون يومين بحول الله.

ينعقد اجتماعنا اليوم في ظرف إقليمي خاص يعرف تطورات نوعية سريعة ومتسارعة تستدعي مواصلة العمل من أجل رص صفوفنا وتوحيد كلمتنا بغية تجاوز العقبات والتحديات التي تحول دون ضمان مكانة تليق بأمتنا العربية، لاسيما في ظل الاختلالات التي تطال منظومة العلاقات الدولية القائمة.

فالتحولات التي يشهدها العالم حاليا وما تنبئ به من بوادر إعادة تشكيل موازين القوى، يجب أن تستوقفنا لتدارس واستكشاف سبل التأقلم معها والمساهمة كمجموعة موحدة في صياغة ملامح منظومة علاقات دولية نريدها أن تكون مبنية على أسس السيادة المتساوية للدول والأمن المتكافئ وتوازن المصالح والترابط المنصف.

في ظل أوضاع كهذه، تتطلع الجزائر إلى قمة جدة التي نعلق عليها أغلى آمالنا كفرصة متجددة وجب أن نواصل من خلالها جهودنا وأن نكثف من أجلها مساعينا لكسب رهانات العمل العربي المشترك واستكشاف آفاقه الواعدة عبر تثمين ما يجمع الدول العربية من مقومات أصيلة وتحييد ما يفرقها من تجاذبات هامشية.

لقد وضعت الجزائر، تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، هذه الأهداف في صلب أولويات رئاستها الدورية، وهي التي اختارت “لم الشمل” عنوانا رئيسيا ومقصدا نبيلا للقمة العربية التي احتضنتها شهر نوفمبر المنصرم، كما سعت بلادي بكل ثبات وعزم وإخلاص لخدمة مشاريعنا وقضايانا عبر تجسيد ما أفضت إليه لقاءات قادتنا من قرارات سديدة ومتبصرة تصب في مصلحة كافة الدول والشعوب العربية.

من هذا المنطلق، ترحب الجزائر أيما ترحيب ببوادر تكريس هذا التوجه الذي بدأت تتجلى ملامحه مع استئناف الجمهورية العربية السورية الشقيقة شغل مقعدها بمنظمتنا والخطوات التي تم اتخاذها لتطوير وتقوية العلاقات العربية-السورية والمساهمة بشكل جماعي في حل الأزمة في هذا البلد الشقيق، فضلا عن التقارب الحاصل في العلاقات العربية مع الجارتين تركيا وإيران.

وفي نفس أجواء الانفراج ، نحيي وندعم المؤشرات الإيجابية للوصول إلى حل مستدام للأزمة في اليمن الشقيق بما يحقق إرادة وطموح الشعب اليمني في استعادة أمن بلاده واستقرارها.

وإذ نستبشر خيرا بكل صور هذه الحركية الإيجابية التي تشهدها المنطقة العربية، فإننا نأمل أن تتواصل وتمتد وتتعزز في صورة توافق عربي كامل الأركان يسمح بتدارك ما يتوجب علينا تداركه والعمل مستقبلا على احتواء الأزمات داخل البيت العربي بدل السماح بتدويلها وتعقيدها وتشعب أطرافها داخليا وخارجيا.

تمنيت أن أواصل كلمتي بنفس النبرة التفاؤلية وأنا أتطرق الآن للتطورات المتعلقة بقضيتنا المركزية، القضية الفلسطينية. غير أن ما يعانيه أشقاءنا الفلسطينيون جراء ممارسات المحتل الاسرائيلي واعتداءاته الاجرامية الممنهجة ضد إخواننا في القدس المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر، فضلا عن انسداد آفاق مسار السلام في الشرق الأوسط، كلها أمور، بقدر ما تحز في نفوسنا، فإنها تستلزم منا مضاعفة الجهود لفرض احترام حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

لقد حرصنا في قمة الجزائر على تثبيت القضية الفلسطينية على رأس أولويات العمل العربي المشترك وأكدنا على طابعها المركزي وعلى تمسكنا جميعا بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة أركانها وضوابطها.

وتحت الإشراف المباشر لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تواصل الجزائر مساعيها الرامية لتحقيق المصالحة الفلسطينية عبر مرافقة كافة الأطراف نحو تجسيد الاستحقاقات الوطنية المدرجة في “إعلان الجزائر للم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية” الذي وقع بالجزائر بتاريخ 13 أكتوبر 2022 من قبل جميع الفصائل الفلسطينية.

وعلاوة على ذلك، وضمن تفعيل قرارات قمة الجزائر، تواصل بلادي بالتنسيق مع جميع الأشقاء العرب، مساعيها الرامية لتمكين دولة فلسطين من نيل المزيد من الاعترافات الدولية والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

إن مبعث قلقنا المتزايد يكمن أيضا في تواصل الأزمات السياسية والأمنية في بعض الأقطار العربية الجريحة وظهور بؤر توتر أخرى تحرم أشقاءنا من نعمة الأمن والطمأنينة والاستقرار والرفاه.

في هذا الإطار، يشكل التردي الخطير للوضع في السودان الشقيق بتداعياته الأمنية والسياسية والإنسانية مصدر انشغال كبير بالنسبة لنا. وأمام هذا الوضع، بادر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته الرئيس الدوري للقمة العربية، بمساع لدى الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي ومنظمة الإيغاد (IGAD) لبلورة مبادرة مشتركة تضمن وقف الاقتتال وحقن الدماء وإطلاق عملية سياسية شاملة لحل الأزمة.

ومن هذا المنبر، وإذ أحيي جهود الوساطة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية الشقيقة، أجدد نداءنا للأشقاء في السودان من أجل الوقف الفوري للأعمال العسكرية والتحلي بروح المسؤولية حفاظا على الأرواح والممتلكات والانخراط في مفاوضات سياسية تفضي إلى حل سلمي ينهي هذه الأزمة الخطيرة بصفة نهائية ودائمة.

وفيما يخص الأزمة في ليبيا، أود أن أجدد التأكيد على قناعتنا الراسخة أن عودة الاستقرار لن تتم إلا عبر مسار ليبي-ليبي يشجع التوافق بين بنات وأبناء هذا البلد الشقيق للمضي قدما في تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية لإنهاء الأزمة بصفة نهائية وتحقيق طموح الشعب الليبي في بناء دولة ديمقراطية وعصرية. ومما لا شك فيه أن مسعى في هذا المستوى من الأهمية والحساسية يقتضي الاحتكام إلى العقل والعقلانية والتحلي بروح المسؤولية نحو الوطن وإعلاء مصلحة ليبيا والليبيين فوق كافة المصالح الضيقة الأخرى.

ونأمل من الإخوة في لبنان، ونتمنى لهم من أعماق قلوبنا، أن يتوافقوا على حلول تنهي حالة الانسداد السياسي الحالي عبر انتخاب رئيس للجمهورية، والتفرغ لمعالجة المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي تواجه هذا البلد الشقيق، تلبية لحق شعبه في العيش في كنف الأمن والاستقرار والهناء.

إن اجتماعنا اليوم يعد فرصة مواتية للتأكيد على أهمية وحتمية تسريع مسار إصلاح وعصرنة وتعزيز العمل العربي المشترك، استجابة للتحديات الجمة الماثلة أمامنا.

ومن الأهمية بمكان التذكير بأن قمة الجزائر قد اعتمدت جملة من الاقتراحات التي تقدم بها سيادة الرئيس عبد المجيد تبون بغية تفعيل دور جامعة الدول العربية في الوقاية من النزاعات وحلها وتكريس البعد الشعبي في مشروعنا الجماعي وتعزيز مكانة الشباب والابتكار في العمل العربي المشترك.

وما أحوجنا اليوم لهذه الإصلاحات لضمان استغلال أمثل لمقومات التكامل الاقتصادية التي حبا الله بها أوطاننا لبناء مستقبل أفضل. مقومات على كثرتها وتنوعها، لا تنتظر منا إلا توفير بيئة محفزة لتحقيق ما تنشده شعوبنا من تعاون اقتصادي وتنمية مستدامة ورخاء مشترك.

وما أشد حاجتنا اليوم لتعزيز أواصر التعاون والتضامن خاصة إزاء الدول العربية التي تجتاز ظروفا اقتصادية صعبة، تستدعي منا جميعا هبة تضامنية وفق مختلف الصيغ المتاحة ثنائيا وجماعيا. كما أن الحالة الاستثنائية التي يواجهها الأشقاء في جيبوتي والصومال من جراء الجفاف الذي يجتاح منطقة القرن الافريقي، تتطلب منا اتخاذ تدابير عاجلة لتفادي كارثة انسانية وشيكة.

تلكم هي بعض الأفكار التي وددت أن أتقاسمها معكم اليوم في بداية هذه الجلسة حول أهم التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقتنا العربية وحول حصيلة عملنا المشترك بين قمتي الجزائر وجدة.

وقبل أن أختتم كلمتي، أود أن أتوجه إليكم جميعا بجزيل الشكر والعرفان على كل الدعم والتأييد الذي لقيناه منكم خلال فترة الرئاسة الدورية للجزائر، التي أتمنى أن تكون قد وفقت في أداء مهامها وتجسيد حرصنا الدائم على الدفاع عن قضايا الأمة العربية وتطلعاتها.

والآن، أستسمحكم أن أدعو أخي سمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، وزير خارجية المملكة العربية السعودية الشقيقة، لتسلم رئاسة المجلس، متمنيا له كامل النجاح وتمام التوفيق في أداء مهامه، ومعربا له في ذات السياق عن دعمنا التام لرئاسة المملكة وعن يقيننا أنها ستشكل محطة هامة لتكريس أسس التفاهم والتوافق والوحدة في خدمة مشروعنا الجماعي، وهو مشروع حضاري بامتياز.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل