ارتفاع الحصص السوقية بشكل محسوس لشركات المحروقات الوطنية في مجالات النفط والغاز والصناعات التحويلية مقارنة بالشركات العالمية, و ذلك راجع التي تعرف تناميا في دورها بالأسواق الدولية في السنوات الأخيرة, حيث حسبما جاء في قراءة تحليلية للخبير الدولي لدى منتدى الدول المصدرة للغاز, أبو بكر جبرين عباس.
وقدم الخبير في هذه القراءة المنشورة مؤخرا في موقع المنتدى تحت عنوان “الانتقال في تحولات الطاقة: تحليل مقارن للأداء التشغيلي للمؤسسات الوطنية للنفط”, عرضا لأهم تطورات أسواق الطاقة, من خلال بيانات تتضمن مؤشرات الأداء التشغيلي والمالي لشركات النفط والغاز في العقدين الأخيرين.
وتشير هذه البيانات إلى تسجيل عن “طفرة كبيرة” في إنتاج الغاز الطبيعي من قبل شركات الطاقة الوطنية, حيث ارتفع من 34 إلى 58 تريليون قدم مكعب في الفترة بين 2000 و 2021.وسمح ذلك برفع الحصة السوقية للشركات الوطنية من 5ر45 بالمائة عام 2000 إلى 6ر46 بالمائة عام 2021, مع احتفاظها ب 60 بالمائة من احتياطات الغاز الطبيعي العالمية, وهو “ما يعكس دورها المحوري في مشهد الطاقة العالمي”.
وفق ما جاء في قراءة عباس الذي يعمل كمحلل رئيسي لتوقعات الطاقة لدى منتدى الدول المصدرة للغاز، حافظت شركات الطاقة الوطنية على مدار العقدين الماضيين على هيمنتها على احتياطات النفط على المستوى العالمي, حيث ارتفعت من 67 بالمائة في 2000 إلى 71 بالمائة في 2021.ومن خلال تحليله للبيانات, أشار الخبير إلى تسجيل زيادة في إنتاج الشركات الوطنية من 5ر38 مليون برميل يوميا في عام 2000 إلى 5ر47 مليون برميل في 2021, لترتفع حصتها السوقية من 52 بالمائة سنة 2000 إلى 55 بالمائة سنة 2010, قبل أن تستقر عند 51 بالمائة سنة 2021.
و”يسلط ذلك الضوء على التأثير الدائم لشركات الطاقة الوطنية في المشهد العالمي لإنتاج النفط”, يؤكد عباس.
ونوه الخبير كذلك بالاستثمارات التي قامت بها شركات الطاقة الوطنية في الصناعات التحويلية وذلك لرفع حصتها في سوق المنتجات الطاقوية, حيث مكنها ذلك من تأمين حصة سوقية قدرها 27 بالمائة سنة 2021, مقابل حصة قدرها 19 بالمائة لشركات الطاقة الدولية الرئيسية, “ما يعزز قدرتها على إدارة تقلبات الأسعار وتوفير بيئة عمل أقوى”.
في هذا الإطار, تشير البيانات إلى تسجيل مسار تصاعدي في الطاقة التكريرية لشركات الطاقة الوطنية, حيث ارتفعت من 19 بالمائة في 2000 إلى 30 بالمائة في 2021, في حين لم تستطع الشركات العالمية الكبرى الحفاظ على طاقتها التكريرية في هذه الفترة.ولدى تطرقه إلى دور الشركات الوطنية في الانتقال الطاقوي, أبرز الخبير أهمية هذه الشركات بالنظر للاحتياطات الهائلة التي تمتلكها لاسيما في مجال الغاز الطبيعي الذي سيتمتع بموقع استراتيجي في العقود المقبلة, حيث يقدم فائدة مزدوجة تتمثل في تلبية احتياجات العالم من الطاقة بأسعار معقولة من جهة, والمساهمة في تحقيق الأهداف البيئية لكونه أحد أنظف مصادر الوقود الأحفوري.
غير أن شركات الطاقة الوطنية تواجه تحدي تحقيق التوازن بين زيادة إنتاج الغاز الطبيعي لضمان طاقة موثوقة وبأسعار معقولة لتحقيق تنمية عالمية شاملة ومستدامة, وفي الوقت نفسه تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة لحماية البيئة.وهنا لفت إلى أهمية توجه شركات الطاقة الوطنية نحو تكنولوجيا احتجاز ثاني أكسيد الكربون واستخدامه وتخزينه, باعتبارها “وسيلة فعالة من حيث التكلفة, وبالتالي تقديم مساهمة كبيرة في الجهود العالمية الرامية إلى الحد من الانبعاثات”, متوقعا ظهور صناعة موسعة لاحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه, وهي صناعة توازي -حسبه- كفاءة ومكانة نظيرتها في مجال النفط والغاز.
وأشار المحلل إلى أنه في خضم المناقشات الجارية حول تحولات الطاقة, “لا تزال احتياطيات الغاز الطبيعي تلعب دورا مركزيا, لكون الغاز الطبيعي, أحد أنظف أنواع الوقود الأحفوري وله عدة مزايا تبقي على أهميته في سوق الطاقة, على غرار كونه مادة خام للهيدروجين والأمونيا وأنواع الوقود الكهربائية الأخرى, فضلا عن قبوله المتزايد بين مستهلكي الطاقة العالميين بسبب توفيره حد أدنى من الانبعاثات الملوثة”.
وفي هذا الإطار, اعتبر أن إنتاج شركات الطاقة الوطنية “مستعدة من خلال احتياطاتها الكبيرة من الغاز الطبيعي, للمساهمة بشكل كبير في إنتاج الهيدروجين, الذي يعتبر عنصرا حاسما في تحقيق مستقبل طاقة أكثر استدامة”.