اعتبر المترجمون الحاضرون في اللقاء الذي انعقد بالجزائر العاصمة حول “ترجمة النص المقدس” أن ترجمة النصوص المقدسة تخضع لدراسة نظرية معمقة قبل الخوض في عملية نقل المعاني, مبرزين أهمية ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأمازيغية لتمكين الناطقين بهذه اللغة من فهم النص المقدس في اللغة التي يتحدثون بها.
وفي كلمته الافتتاحية خلال الندوة التي انعقدت بمناسبة إحياء اليوم العالمي للترجمة الموافق لـ 30 سبتمبر من كل سنة, شدد السيد محمد شباح, مدير المؤسسة الناشئة “الوكالة الجزائرية للترجمة” “ALTA” القائمة على هذا الحدث, على ضرورة إيلاء ترجمة الأدب والتراث الجزائريين المكانة اللازمة, مشيدا بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة وطنية رسمية.
وفي تدخل له في هذا اللقاء الذي نظم على مستوى المركز الدولي للصحافة, أبرز الأستاذ سي حاج محند طيب, مترجم معاني القرآن الكريم إلى الأمازيغية, أن عملية نقل معاني القرآن من اللغة العربية إلى لغة أخرى مع أنه يجيدها لم تخل من الصعوبات, متطرقا إلى أهم الخطوات التي اتبعها قبل الانتهاء من عملية الترجمة والمراجعة وتقديم النص في نسختين, الأولى إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف والثانية إلى مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمملكة العربية السعودية.
وأكد السيد حاج محند طيب أنه اعتمد أولا على القواميس لشرح المفردات المتعددة المعاني, ثم اللجوء في كثير من الأحيان إلى أربعة تفاسير مختلفة للقرآن الكريم قبل أن يقترح عدة ترجمات للعبارات أو الكلمات التي استعصى عليه فهمها, ومن ثمة يقوم باختيار الترجمة الأنسب.
وحسب مترجم معاني القرآن إلى الأمازيغية, فإن بوادر ترجمة كتاب الله المقدس التي دامت 7 سنوات, تعود إلى سنة 2000 لما أسس وزير الشؤون الدينية والأوقاف الأسبق, أبو عبد الله غلام الله, لجنة ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأمازيغية مشكلة من 7 أعضاء, كان قد انسحب معظمهم بعد مرور بعض الوقت, ليكمل الأستاذ حاج محند طيب المشوار لوحده.
وبعد الانتهاء من عملية نقل معاني القرآن الكريم إلى الأمازيغية بحروف عربية أطرأ السيد حاج محند طيب على 5 حروف بعض التعديلات حتى تناسب النطق الأمازيغي (ب, ز, ف, ق, ك), ودامت مرحلة مراجعة الترجمة سنتين كاملتين أخضع خلالهما المترجم النص إلى أساتذة زملاء أسدوا له بعض النصائح والملاحظات, قبل أن ينتقل إلى السعودية ليشرف بنفسه على عملية طباعة الطبعة الأولى التي صدرت سنة 2010.
ومن جهته, أشار الأستاذ الكبيش بن العربي, مترجم/ترجمان رسمي لدى مجلس قضاء تيارت, إلى بعض المصطلحات الواردة في القرآن الكريم والتي اختلف المترجمون بشأن كيفية نقلها إلى اللغة الفرنسية, مسترشدا بترجمة محمد حميدالله.
كما ركز على الترجمة القانونية أو القضائية, بحكم تجربته الشخصية, باعتبارها ممارسة تتطلب التمكن من قاموس القانون قبل الخوض في عملية نقل النصوص التنظيمية.
وفي سياق آخر, تطرقت الأستاذة المترجمة نسيبة محمد إلى صعوبة اختيار النظرية المناسبة لترجمة معاني القرآن الكريم بحكم جماليات اللغة العربية وهندستها التي يصعب نقلها إلى لغات أخرى, مستشهدة بقوله تعالى “فإن مع العسر يسرا, إن مع العسر يسرا”.
وتطرقت من جانبها مديرة معهد الترجمة بجامعة الجزائر 2, أبو القاسم سعد الله, الدكتورة عديلة بن عودة إلى أهمية ترجمة الأدب والتراث بما أن “الترجمة القانونية تمثل حوالي 20 بالمائة فقط من سوق الترجمة في الجزائر.
وعبر الحاضرون من مترجمين وطلبة عن أملهم في تنظيم مثل هكذا مبادرات للتعريف أكثر بدور الترجمة في التقارب وتحقيق عملية التواصل, متأسفين عن تغاضي جمهور المثقفين عن إبراز أهميتها مع أنه يصعب في كل حال من الأحوال التواصل في عالم أصبح اليوم بفضل تكنولوجيات الإعلام والاتصال قرية صغيرة.
للإشارة اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اللائحة رقم 71/288 المتعلقة بدور المتخصصين في اللغة في ربط الدول وتعزيز السلام والتفاهم والتنمية, وأعلنت عن تاريخ 30 سبتمبر من كل سنة يوما دوليا للترجمة.