يعرف الغالبية من الناس مصطلح “متلازمة ستوكهولم” نتيجة لاستماعهم إلى عدد من القصص الشهيرة عن حالات الاختطاف واحتجاز الرهائن، خاصة في الحالات التي كانت الرهينات والمختطفات فيها من النساء.
وغالبا ما يجري ربط هذا المصطلح بما حدث لباتي هيرست، وهي ابنة أحد الأثرياء من كاليفورنيا، والتي كان قد اختطفها بعض المسلحين الثوريين عام 1974، لتبدي تعاطفا مع مختطفيها وتشاركهم في إحدى عمليات السطو، قبل أن ينتهي بها الأمر لأن يتم إلقاء القبض عليها ويحكم عليها بالسجن.
إلا أن محامي الدفاع عن هيرست قال إنها قد خضعت لعملية غسيل دماغ، وأنها كانت تعاني مما يعرف بمتلازمة ستوكهولم، والتي اصطلح عليها مؤخرا لتفسير المشاعر غير المنطقية التي يشعر بها المختطَفون تجاه مختطِفيهم
وكانت آخر تلك القصص التي وصفتها التقارير الإعلامية بنفس الوصف هي حالة ناتاشا كامبوش، والتي كانت قد اختطفت وهي في العاشرة من عمرها من قبل وولفغانغ بريكلوبيل واحتجزت داخل أحد الأقبية لمدة ثمانية سنوات. حيث نقل عنها أنها أجهشت بالبكاء عند سماعها خبر موت مختطِفها، وقامت بإشعال شمعة حيث يرقد جسده.
ومع أن هذا المصطلح أصبح معروفا على نطاق واسع، إلا أن الحادثة التي ساعدت في ظهوره لا يزال يتكنفها نسبيا بعض الغموض.
ولا يعرف أحد من خارج مملكة السويد هذه الأسماء: بريغيتا لاندبلاد، وإيليزابيث أولدغرين، وكريستين إنمارك، وسفين سافستروم، وهي أسماء أربعة من الموظفين في أحد البنوك هناك.
ففي الثالث والعشرين من أغسطس عام 1973، احتجز الأربعة داخل بنك “كريديت بانكن” بستوكهولم من قبل جان إيريك أولسون ذو الاثنين وثلاثين عاما، والذي انضم إليه فيما بعد أحد زملائه في السجن.
وبعد ستة أيام ومع انتهاء ذلك الاحتجاز، بدا على المخطوفين أنهم قد بنوا علاقة إيجابية مع هذين الخاطفين.
ومن هنا نشأت فكرة متلازمة ستوكهولم. حيث كان الطبيب النفسي والباحث في علم الجريمة نيلز بيجيروت هو أول من صاغ هذا المصطلح، وأظهر الطبيب النفسي فرانك أوشبيرغ اهتماما بهذه الظاهرة وقام في السبعينيات من القرن الماضي بتعريف المتلازمة وتوضيحها لمكتب التحقيقات الفدرالي وجهاز الشرطة البريطانية “سكوتلاند يارد”.
حيث كان يعمل في ذلك الوقت على مساعدة فرقة العمل الوطنية الامريكية لمكافحة الإرهاب والفوضى في وضع استراتيجيات للتعامل مع حالات احتجاز الرهائن.
وتضمنت معاييره ما يلي: “في البداية، بتعرض الناس فجأة لشيء يحدث رعبا في نفوسهم، مما يجعلهم متأكدين من أنهم مشارفون على الموت. ثم يمرون بعد ذلك بمرحلة يكونون فيها كالأطفال غير قادرين على الأكل أو الكلام أو حتى الذهاب لقضاء الحاجة دون الحصول على إذن.”
ويوضح أوشبيرغ أن قيام المختطف ببعض الأعمال الطيبة تجاه المخطوفين، كتقديم الطعام لهم، من شأنه أن يحفز لديهم شعورا بالامتنان “لمنحهم الحياة”.
وأضاف قائلا: “يتكون لدى الرهائن شعور إيجابي قوي أصيل تجاه خاطفهم، يرفضون من خلاله أن يكون ذلك الشخص هو من عرضهم لذلك الموقف، ويتأصل لديهم شعور بأنه هو الشخص الذي سيمنحهم الفرصة للعيش.”
إلا أنه يرى أن الحالات التي تظهر فيها هذه المتلازمة هي حالات نادرة.
ويأتي السؤال هنا: ما الذي حدث داخل ذلك البنك وأدى إلى ظهور تلك المشاعر الإيجابية لدى المخطوفين تجاه خاطفيهم، على الرغم من تعرض حياتهم للخطر؟
ففي مقابلة أجريت معها عام 2009 على قناة راديو السويد، قالت كريستين إنمارك، وهي إحدى ضحايا تلك الحادثة: “إنه نوع من مجريات الأحداث التي تتعرض لها، للدرجة التي تحدث بطريقة ما تغييرا في قيمك وأخلاقياتك كلها.”
وطبقا للتقارير الواردة، كانت إنمارك صاحبة أقوى العلاقات بين الرهائن الأربعة مع محتجزيها.
ففي إحدى المكالمات الهاتفية التي أجرتها من داخل أحد أقبية البنك مع رئيس الوزراء آنذاك أولوف بالم، كانت إنمارك تتوسل إلى هذا الأخير حتى يسمح لها بمغادرة مبنى البنك مع الخاطفين. وكان أولسون قد طالب بإحضار سيارة إليهم حتى يتمكنوا من الهرب فيها مع الرهائن، إلا أن السلطات رفضت ذلك الطلب.
وقد أعربت بالم لرئيس الوزراء عن “خيبة أملها” فيه
وقالت: “أعتقد أنك لا تقوم بشيء سوى الجلوس هناك واللعب بأرواحنا. إنني أثق بكلارك وبزميله، ولا أشعر بأي نوع من اليأس. هم لم يرتكبوا أي أمر سيء معنا. بل على العكس، كانوا لطيفين جدا معنا.”
وأردفت مخاطبة رئيس الوزراء: “إن ما يقلقني بالفعل هو أن تداهم الشرطة المكان وتتسبب في مقتلنا.”
وكان الصحفي الأمريكي دانييل لانغ قد قام بعد عام بإجراء حوار لصحيفة “ذا نيو يوركر” مع كل من حضروا تلك القصة، وكان من شأن ذلك الحوار أن يسلط الضوء على معظم ما حدث وكيف كانت طريقة تفاعل الخاطفين والمخطوفين مع الأحداث.
وكتب لانغ معلقا أن الرهائن كانوا يتحدثون عن حسن معاملتهم من قبل خاطفهيم. بل إنهم بدوا في لحظة ما وكأنهم مدينون لخاطفيهم بحياتهم.
ففي إحدى المرات أثناء حادثة الاختطاف تلك، سمح لإيليزابيث أولدغرين -وكان لديها رهاب من الأماكن المغلقة- بالخروج من ذلك القبو الذي كانوا محتجزين فيه والتحرك في الخارج وهي تربط شريطا حول عنقها.
وقالت إنها شعرت في ذلك الوقت بأن السماح لها بالتجول يعد لطفا من خاطفها أولسون.
كما أن سافستروم، وكان أحد المخطوفين، قال إنه شعر بالامتنان عندما أخبره أولسون بأنه ينوي إطلاق النار عليه حتى يبين للشرطة جديته في الأمر، إلا أنه أضاف بأنه سيتأكد من أنه لن يقتله إلا بعد أن يكون مخمورا تماما.
وتعمل متلازمة ستوكهولم على إبراز التعارض في المشاعر لدى المخطوفين، إلا أن مشاعر الخاطفين تختلف أيضا.
حيث كان أولسون قد قال أيضا إنه وفي بداية تلك الحادثة، كان من الممكن أن يجهز على جميع الرهائن إلا أنه دفع مع مرور الوقت لتغيير رأيه.
وكتب لانغ مضيفا: “كان أولسون يتحدث بشدة عن أن ذلك يعد خطأ الرهائن. حيث قال: “لقد كانوا يقومون بكل شيء أطلبه منهم. ولولا ذلك، لما آل الحال لما أنا عليه الآن. لماذا لم يقم أحد منهم بمهاجمتي؟ لقد جعلوا من الصعب علي أن أقتلهم؟ لقد كانوا يجبروننا على التعايش معهم يوما بعد يوم. ولم يكن أمامنا مفر من التعرف على بعضنا البعض”.”
وطبقا لمقالة نشرت عام 2007 في نشرة “لو إنفورسمنت” أو “تطبيق القانون” التي تصدر عن مكتب التحقيقات الفدرالي، تأتي هذه النظرية بمثابة المفتاح الرئيسي في متلازمة ستوكهولم، والذي يمكن للمفاوضين في مثل تلك الأزمات أن يعملوا على إذكاء تلك المشاعر الإيجابية عند الخاطفين، وهو ما من شأنه أن يزيد من فرص نجاة الرهائن.
إلا أنه وعلى الرغم من تطبيق الشرطة لتلك النظرية في عمليات تحرير الرهائن، يقول هاغ ماكغووان، الذي أمضى 35 عاما يعمل في قسم شرطة نيويورك، إن من النادر حدوث تلك المتلازمة.
وكان ماكغووان يعمل كقائد للشرطة وكبير للمفاوضين في فريق التفاوض بشأن الرهائن، والذي جرى تشكيله في إبريل/نيسان عام 1973 بعد تزايد حوادث احتجاز الرهائن عام 1972.
وقال ماكغووان: “سيكون من الصعب علي القول بوجود تلك المتلازمة. ففي بعض الأحيان وفي مجال علم النفس، يبحث الناس عن السبب والتأثير لشيء ما بينما لا يكون موجودا هناك.”
وتابع قائلا: “إن ما حدث في ستوكهولم يعتبر حادثة فريدة، حيث ظهرت تلك الحادثة في وقت بدأنا نشهد فيه تزايدا في حوادث احتجاز الرهائن. ومن الممكن أن الناس كانوا يعمدون إلى عدم استبعاد تلك النظرية التي قد نراها تتكرر مرة تلو المرة.”
ويعترف ماكغووان أن هذا المصطلح قد حصل جزئيا على صيته بعد أن اجتمع المجالان النفسي والبوليسي على الحديث عنه في عمليات التفاوض بشأن الرهائن.
ولا توجد معايير تم الاتفاق عليها لتعريف هذه المتلازمة، كما أنها ليست مذكورة في أكبر دليلين للصحة النفسية: الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، والتصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشاكل الصحية ذات الصلة، والذي يعرف بـ “آي سي دي”.
إلا أن بعض الاختصاصيين في مجال العلاج النفسي يرون أنه يمكن الربط بين المبادئ الأساسية لهذه المتلازمة وبين مختلف الحالات التي شهدتها.