منذ توقف الرحلات الجوية التجارية، حلقت بعض طائرات الركاب في الأجواء، لإعادة العالقين من دول العالم، بينما تحولت نظيرات لها إلى شحن البضائع، بدلا من نقل الأشخاص. لكن الشركات المالكة والمُشغلّة لهذه الطائرات، تُفضل بالطبع أن تعود إلى عملها الأساسي؛ المتمثل في إيصال الركاب جوا بأمان، إلى مقاصدهم المختلفة في شتى بقاع الأرض.
لكن السؤال الذي يراود الكثيرين الآن، يتمثل في مدى التأثير الذي سيُخلّفه الوباء على أسعار بطاقات السفر جوا، عندما تعود طائرات الركاب لتقوم برحلاتها المنتظمة من جديد.
يقول بنيامين كيني : نعلم أن شركات الطيران تريد أن تعود الطائرات إلى الأجواء، وأن يجلس الركاب على مقاعدهم بداخلها من جديد”.
وتؤدي هذه الرغبة على المدى القصير على الأقل، إلى خفض الأسعار بهدف تحفيز العملاء المحتملين. لكن إذا نظر المرء إلى الفترة التي تعقب الشهور القليلة المقبلة، سيجد أن هناك عوامل قد تفضي إلى رفع أسعار بطاقات السفر، بدءا بإفلاس بعض الشركات، ما سيقود إلى تراجع حجم العرض وتقلص المنافسة، وصولا إلى تقلص عدد الطائرات المتاحة أمام الركاب، بسبب التوقف عن استخدامها لتقادمها.
علاوة على ذلك، يبقى السؤال المحير، هو ذاك المتعلق بمدى سرعة عودة الركاب إلى السفر جوا من جديد، وذلك في ظل شعور عام ينتاب العاملين في صناعة الطيران بأن أوضاع هذا القطاع لن تعود إلى ما كانت عليه في فترة ما قبل الوباء، حتى حلول عام 2022 أو 2023 أو ربما بعد ذلك.
ويقول كيني إن شركات الطيران تسترشد عادة في توقعاتها لحجم الطلب المستقبلي، بمستويات الإقبال على استخدامها في الماضي. لكن المشكلة أن الوضع الحالي غير مسبوق، ما يحدو بكيني للتساؤل قائلا: “ما الذي يمكن لشركات الطيران فعله عندما تكون البيانات الخاصة بالتجارب السابقة مختلفة جذريا عن الوضع الراهن أو لا صلة لها على الإطلاق بالحسابات المتعلقة بأوضاعها في المستقبل؟”.
معادلة التسعير
ويقول بنيامين كيني إن تحديد شركات الطيران لأسعار بطاقات السفر على متن طائراتها، يستند عادة إلى مزيج من الحسابات والنماذج العلمية. ويوضح بالقول: “يتعلق الأمر هنا بفهم الدوافع التي تحدو بالمستهلك للسفر، ومقدار ما يعتزم دفعه من أموال نظير الحصول على بطاقة سفر. وتعقد شركات الطيران موازنة بين عوامل مثل هذه وطاقتها الاستيعابية، ومؤشرات أخرى لا تعد ولا تحصى، وذلك في سياق رغبتها في إيجاد أفضل صفقة ممكنة بالنسبة لها وللمسافرين على حد سواء”.
ويشكل الأمر هنا خليطا بين الحسابات العلمية والاستعانة بفنون اجتذاب المستهلكين. ويتمثل الجانب العلمي كما يقول كيني، في “استخدام أساليب التعلم الآلي والخوارزميات”. وتتضمن هذه المسألة عادة، تحديد أمور من بينها طبيعة ما سيفضله المسافر من بين الخيارات المختلفة التي تقدمها له شركة الطيران، كأن يسافر على الدرجة الاقتصادية أو الدرجة الاقتصادية المميزة مثلا، ومفاضلته بين المسارات المتنوعة لرحلته المتاحة له، بتفاصيلها التي تشتمل على موعديْ المغادرة والوصول، ومدة الرحلة أيضا.
أما الجانب المرتبط بمسألة اجتذاب العملاء، فيكمن في سياسة التسعير التي تنتهجها الشركة، ويرتبط بالقرارات التي يتخذها خبراؤها في مجال إدارة الإيرادات، ممن يستفيدون من المؤشرات التي ذكرناها سابقا، لبلورة التوقع المستقبلي بشأن حجم الطلب المتوقع. ويقول كيني إن التكنولوجيا تساعد هؤلاء الخبراء، عبر منحهم أدوات تُمَكِنهم من زيادة دقة توقعاتهم هذه إلى أقصى درجة ممكنة.
لكن أحدا لا يعلم مدى التغيرات التي ستطرأ على صناعة الطيران ونماذج العمل التي ظلت ثابتة فيها على مدار عقود، وذلك بسبب التحديات الاستثنائية التي يفرضها تفشي وباء كورونا، خاصة وأن الموقف الناجم عن هذه الأزمة لا يزال في طول التبدل، ولم يصل إلى حد الاستقرار بعد.