تواجه إحدى أقدم مقابر المسلمين في العراق والعالم الإسلامي خطر التجريف، بذريعة شق طرق وبناء سوق جديدة في مدينة البصرة جنوبي العراق. ويعود تاريخ مقبرة الحسن البصري إلى العصر الأموي، أي قبل أكثر من 1300 عام، وذلك وفقا لباحثين في التاريخ الإسلامي.
وتشغل المقبرة مساحة كبيرة من محافظة البصرة، وتدعى مقبرة الحسن البصري، نسبة للتابعي الجليل الذي دفن هناك عام 110 هـ وأخذت المقبرة اسمه.
والبصري إمام وقاض ومحدث من علماء التابعين ومن أكثر الشخصيات البارزة في عصر صدر الإسلام، سكن البصرة حتى توفي فيها.
يجهلها الكثيرون
مقبرة الحسن البصري، جهلها الشباب ونساها بعض كبار السن في العراق، وتقع على بعد 25 كلم غربي البصرة.
ورغم أنه جهل ما تحويه المقبرة، رفض الشاب البصري جاسم المالكي، مخططات تحويل جزء منها إلى أرض استثمارية، وقال إنها “تضم رفات آبائنا وأجدادنا، فمن غير الممكن السماح بقص قبورهم حتى وإن مضى عليهم قرون”.
يضيف المالكي ، أن مدينته تضم مساحات واسعة كثيرة يمكن إنشاء المشاريع عليها، فلا مبرر قد يقنعه ويقنع البصريين للاعتداء على المقبرة.
شخصيات بارزة
وتضم مقبرة الحسن البصري، رفات كثير من الشخصيات الدينية والثقافية والسياسية البارزة، منهم مفسر الأحلام الشهير أبو بكر محمد بن سيرين البصري، وهو تابعي وإمام في التفسير والحديث والفقه، إلى جانب تفسير الأحلام، وتوفي بعد الحسن البصري بـ١٠٠ يوم.
وفي المقبرة رفات رابعة العدوية المكناة بأم الخير، وهي إحدى الشخصيات المشهورة في عالم التصوف الإسلامي، وتعتبر مؤسسة أحد مذاهب التصوف الإسلامي وهو مذهب الحب الإلهي.
وفي المقبرة نفسها دفنت السيدة أم الصهباء معاذة العدوية، التي توصف بالعالمة والعابدة المتفقهة.
كما يوجد فيها قبر إمام الحديث أبو سطام شعبة بن الحجاج بن الورد، وقبر علم العلماء ابن يحيى مالك بن دينار، وعالم التصوف الإسلامي أبو محمد سهل بن عبد الله التستري.
وتضم المقبرة أيضا رفات الشاعر الأموي الفرزدق، والشاعر العباسي خالد بن صفوان، ومن الشعراء المعاصرين عبد الغفار الأخرس الموصلي المتوفى عام 1873، فضلا عن قبر الشاعر الكبير بدر شاكر السياب المتوفى عام 1964.
وتحوي المقبرة أيضا قبور شخصيات سياسية معاصرة كمحمود باشا آل عبد الواحد شيخ أبي الخصيب، وهو شخصية بصرية تولت مراكز مهمة بوﻻية البصرة إبان الدولة العثمانية.
وأيضا فيها قبران لوزيرين عراقيين في أول حكومة عراقية انتقالية، هما عبد اللطيف باشا المنديل أول وزير للتجارة في تاريخ العراق الحديث، وطالب النقيب مرشح أهل البصرة لعرش العراق وأول وزير للداخلية بتاريخ البلاد المعاصر.
حرمة المقابر
قبور الموتى في الإسلام لها حرمة وهتكها حرام شرعا، وهو ما دفع شيوخ عشائر البصرة إلى رفض مخطط لإنشاء مشروع استثماري على أجزاء من مقبرة الحسن البصري.
وإزاء ذلك عبر زعيم قبائل المنتفج والسعدون الشيخ جمال السعدون، عن رفضه الشديد لمخطط مثل ذلك. وأضاف أن المجتمع البصري بجميع أطيافه يرفض رفضا قاطعا هدم قبور وفتح محال تجارية عليها.
أما جواد الطيار، أمير إمارة السادة آل جعفر الطيار (زعيم عشيرة السادة آل جعفر الطيار)، فقد اتهم ديوان الوقف السني في بغداد بأن له دورا في مساع تحويل أجزاء من المقبرة إلى أرض استثمارية وتشييد محال تجارية عليها.
وفي حديث له، أوضح الطيار أن هذا المخطط أثير قبل ٤ سنوات، وأحدث ضجة كبيرة في البصرة، مما دفع إلى إيقافه. وبين أن المشروع يستهدف قص سياج المقبرة والدخول بعمق أكثر من ١٠ أمتار، ما قد يعرض آلاف المقابر إلى التجريف والنبش.
الوقف السني
أمور سرية تعد في بغداد لتكون واجبة التنفيذ في البصرة، هذا ما علق به مدير الوقف السني بالبصرة الشيخ محمد الملا، عند سؤاله عن الجهة التي تريد الاستثمار في مقبرة الحسن البصري التابعة للوقف.
وأوضح الملا ، أن هناك أيادي خفية تريد الاستثمار في هذه المقبرة، وهو أمر بالإضافة إلى أنه مرفوض شعبيا وإداريا، يرفضه ويستنكره ديوان الوقف السني في العراق جملة وتفصيلا.
وبعد التحري، أكد الشيخ الملا أن جهات لم يسمها في بغداد هي من تقود هذا المشروع، ووجهت المستثمر -ويعتقد أنه أحد أبناء البصرة- ببدء تنفيذ المشروع وبناء أكثر من 450 محلا تجاريا بعمق 10 أمتار داخل المقبرة.
وختم الملا حديثه قائلا إن تجريف ونبش القبور وتشييد محال تجارية فوقها، أمر غير أخلاقي ولا ديني، خصوصا أن مقبرة الحسن البصري ممتلئة بقبور الموتى وما زالت تستقبل المتوفين من أهالي البصرة.