مواجهة “الربيع البيلاروسي”… قمع المحتجين على طريقة الأنظمة العربية

عمار9 سبتمبر 2020آخر تحديث :
مواجهة “الربيع البيلاروسي”… قمع المحتجين على طريقة الأنظمة العربية

تلخّص الناشطة البيلاروسية آنا ماجيكا أبرز مطالب المحتجين الرافضين لنتائج الانتخابات التي جرت في التاسع من أوت في الاعتراف إما ببطلان الانتخابات التي يصفها المعارضون بـ”المزورة” بعد إعلان فوز الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بولاية سادسة مدتها خمس سنوات، وإما بفوز المرشحة المنافسة سفيتلانا تيخانوفسكايا، وإقالة لوكاشينكو، ومعاقبة جميع المسؤولين عن العنف بحق المحتجين والإفراج عن المعتقلين السياسيين ومن تم توقيفهم أثناء الاحتجاجات والذين تتزايد أعدادهم منذ قرابة شهر. لكن مدير “مجموعة الخبراء السياسيين” (منظمة روسية تضم عدداً من الخبراء والمحللين والمستشارين السياسيين)، قسطنطين كالاتشوف، يرى أن تلك المطالب تصطدم بأن لوكاشينكو كان مستعداً لسيناريو خروج الاحتجاجات وفق سيناريو انطلاق “الربيع العربي” في بداية العقد الثاني من القرن.

رفض شبابي واسع
ماجيكا التي تحمل درجة الدكتوراه في علوم التاريخ واحدة من بين آلاف الشباب البيلاروس الذين انضموا إلى الاحتجاجات، وتشارك في التظاهرات منذ انطلاقها، بعد أن أتاحت التكنولوجيا الحديثة لهم الاطلاع على نطاق التزوير الذي تخلل العملية الانتخابية وإعلان فوز لوكاشينكو بنحو 80% من الأصوات، متفوقاً بفارق هائل على منافسته الرئيسية تيخانوفسكايا (حصلت على 10 في المائة فقط) والتي غادرت البلاد بعد الانتخابات. وحول رؤيتها وجيلها للنظام السياسي المستقبلي في بيلاروسيا، تقول ماجيكا “أتمنى أن تكون بيلاروسيا جمهورية برلمانية لمنع تكرار اغتصاب السلطة بين يدي شخص واحد”.
ويُرجع كالاتشوف تعبئة المجتمع البيلاروسي إلى “قوة الصلات العرضية المباشرة بين الناس بسبب تقارب المستويات الاجتماعية والاقتصادية”، بالإضافة إلى دور شبكات التواصل الاجتماعي التي خلقت واقعاً جديداً”، لافتاً في الوقت نفسه إلى سير الاحتجاجات بلا زعماء ودون حدوث انشقاقات داخل النخبة، وهو ما يتشابه مع الاحتجاجات التي جرت في عدة بلدان عربية في عام 2011، ويقول كالاتشوف : “يكمن الأمر في الصلات العرضية، إذ إن المجتمع البيلاروسي ليس مجزأ ومنقسماً بشكل طبقي حاد على غرار مثيله الروسي، وقد خلقت شبكات التواصل الاجتماعي كأداة للاتصال واقعاً جديداً يتعذر فيه “تسويق” النتائج المزورة للناس”.

ويلفت إلى مجموعة من نقاط التشابه والاختلافات بين الاحتجاجات البيلاروسية وأحداث عدد من الدول العربية قبل نحو عشر سنوات، مضيفاً: “من الواضح أن فريق لوكاشينكو كان يتأهب لسير الاحتجاجات وفق نموذج “الربيع العربي”، فاختار تكتيك قطع الإنترنت لمنع التنسيق بين المحتجين، والتخلص من زعماء المعارضة، ولكن الأحداث تجري وفق سيناريو آخر، أي تصاعد الاحتجاج من الأسفل دون زعماء وبدرجة قليلة جداً من التنسيق والتنظيم. كما لا يشكل المحتجون جهات سلطة موازية، ولا نشهد انقساماً داخل النخبة أو مثلاً انتقالاً لوحدات الأمن النخبوية إلى صف المحتجين”.
بدوره، يشير عضو اتحاد الصحافيين البيلاروس، الصحافي المستقل إيغور كارنيه، إلى أن التفاف الناس حول المرشحة المعارضة، سفيتلانا تيخانوفسكايا، جاء بعد سجن أو استبعاد أبرز منافسي لوكاشينكو من سباق الانتخابات. ومع ذلك، يعتبر المحلل السياسي الروسي أن “لوكاشينكو كان جاهزاً لما يجري ولا ينوي، على عكس غيره، الهروب إلى الخارج”، مستدركاً في الوقت نفسه أن “لوكاشينكو لم يعد يبدو كرئيس الأغلبية، وسيضطر على الأرجح إلى التنحي بعد عام أو عامين أو ثلاثة في حال ولّدت الاحتجاجات زعماء جدداً”

مليشيات موسكو… تغلغل عسكري روسي في جيش النظام السوري

ويعزو الصحافي المستقل كارنيه موجة الاحتجاجات التي أعقبت رئاسيات 2020 إلى مجموعة من العوامل، وفي مقدمتها نشاط الناخبين الراغبين في التغيير ودور التكنولوجيا الحديثة. ويقول كارنيه في حديث لـ”العربي الجديد”: “تتميز الانتخابات الرئاسية الراهنة عن سابقاتها بنشاط غير مسبوق من قبل الناخبين وانتصار التكنولوجيا الحديثة. ولأول مرة، بقي زعماء المعارضة التقليدية خارج العملية السياسية، فحلت محلهم وجوه جديدة، وفي مقدمتهم المصرفي فيكتور باباريكو ورجل الأعمال فاليري تسيبكالو وربة المنزل سفيتلانا تيخانوفسكايا التي خاضت السباق بدلاً من زوجها المدون المعارض المعتقل سيرغي تيخانوفسكي. وبعد سجن باباريكو وإرغام تسيبكالو على مغادرة البلاد، التف الناس حول تيخانوفسكايا”.
وحول الآليات التي ساعدت حملة تيخانوفسكايا في الكشف عن نطاق التزوير أثناء الانتخابات، يضيف الصحافي البيلاروسي: “وقف الناس يوم 9 أوت لساعات طويلة في الطوابير للتصويت لصالح تيخانوفسكايا التي أطلق فريقها منصة “غولوس” (“الصوت”) لحصر عدد المصوتين لها على وجه الدقة بناء على صور استمارات التصويت. ونتيجة لذلك تبين أن هناك تفاوتاً بمقدار 5 وحتى 10 أضعاف الأرقام المعلنة باللجان الانتخابية وبيانات “غولوس” التي أقرّ مراقبون مستقلون بصحتها”، مثل منصة “الناس الأمناء” (جمعية مجتمع مدني مستقلة) والذين رصدوا 2056 مخالفة خلال اليوم الأول من التصويت المبكر وحده بتاريخ 4 أغسطس، كما رصدت الجمعية عدداً من المخالفات، بما فيها تباين بين أعداد المصوتين ببعض اللجان وتلك التي حصروها على مداخل مراكز الاقتراع، منها على سبيل المثال لجنة 37 مينسك والتي دخل إليها 33 مصوتاً في حين أن كشوف التصويت تشير إلى 209 مصوتين.
ويلفت كارنيه إلى أن المراقبين تمكنوا من رصد العديد من التوجيهات لرؤساء اللجان لتحويل الأصوات لصالح لوكاشينكو عن طريق الاستيلاء على أصوات تيخانوفسكايا، ويتابع: “اكتسب التزوير نطاقاً غير مسبوق. وإذا كان يتسنى إخفاء الأرقام سابقاً، فإن التكنولوجيا الحديثة جعلت ذلك أمراً مستحيلاً الآن”. ويشير إلى أن الانتخابات الراهنة تختلف تماماً عن سابقاتها في عام 2015 التي يصفها بأنها كانت “إجراء بسيطاً”، لأن المجتمع لم يكن قد فاق بعد حملة اعتقالات تخللت انتخابات 2010 وخروج العديد من المعارضين من البلاد، ولكن الوضع تغير بعد مرور خمس سنوات أخرى الآن.

ويخلص الصحافي البيلاروسي إلى أن “التزوير واسع الناطق جاء بمثابة النقطة الأخيرة التي أفاضت الكأس، بينما أثارت أعمال تفريق المتظاهرين واعتقالهم معارضة حتى بين المتعاطفين مع السلطة”. وتعرضت 450 حالة لتعذيب وتعامل بقسوة مع بين المعتقلين منذ إجراء الانتخابات الرئاسية والذين بلغ عددهم 6700 شخص، وفق ما وثقه خبراء مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنساني مطلع سبتمبر الجاري.

نسبة الأصوات الحقيقية
يشكك أوفتشينيكوف في فوز لوكاشينكو من أساسه، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “تظهر صور الكشوف الانتخابية التي التقطها وشاركها البيلاروس أن لوكاشينكو حصل على نحو 60% من الأصوات، شاملة اللجان ذات نسب التصويت المبكر، مما يشير إلى أنه تم الاعتماد عليها لملء الصناديق بالاستمارات مسبقاً قبل حلول اليوم الرئيسي للتصويت في 9 أوت ويستبعد الخبير الروسي احتمال حصول تيخانوفسكايا على 10% من الأصوات فقط، مضيفاً: “هناك لجان في الأحياء الجديدة على أطراف مينسك والتي يقطنها الشباب، فازت تيخانوفسكايا فيها بـ80% و90% من الأصوات.

وتظهر الجمهوريات السوفييتية السابقة باستثناء أوكرانيا قدراً كبيراً من التجانس في نسب واتجاهات التصويت من لجنة إلى أخرى، ما يعني أن المرشح الذي يحظى بنسبة تأييد 10% لا يمكنه الفوز بنسبة 90% ولو بلجنة واحدة في أي منطقة ويضرب أمثلة على ذلك، قائلاً: “حتى أوكرانيا تسجل نتائج متقاربة باللجان داخل المنطقة بعينها في شرق البلاد أو غربها لأن الشرق، كما تعلم، يصوت للمرشحين الموالين لروسيا، والغرب لصالح الموالين لأوروبا. وفي روسيا، فاز الرئيس فلاديمير بوتين في رئاسيات 2018 بنسب متقاربة في أغلب أنحاء البلاد باستثناء جمهورية ياقوتيا وعدد من أحياء موسكو التي تتميّز بأمزجة معارضة”.
وفي ما يتعلق بالتزوير على مستوى عموم بيلاروسيا، يتابع: “تختلف النتيجة المعلنة حتى عن النتائج باللجان بعد التزوير والبالغة 60% لصالح لوكاشينكو، مما يشير إلى أن قرار الإعلان عن فوز لوكاشينكو بنسبة 80% لا يمت إلى نتائج التصويت بصلة، بل جاء متطابقاً مع نتائج استطلاع الرأي الرسمي عند الخروج من مراكز الاقتراع”. ويضيف، قائلاً: “حسب تقديري، فإن نسبة التصويت لصالح لوكاشينكو لم تتجاوز 40% مقابل نحو 50% لتيخانوفسكايا، ما يعني أنه كان يتعين إجراء جولة الإعادة على الأقل”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل