أندريس إنييستا”.. الساحر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس “الجزء الأول”

عمار9 سبتمبر 2020آخر تحديث :
أندريس إنييستا”.. الساحر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس “الجزء الأول”

حينما صوّب المخرج الإسباني “أوريول بوش” عدسته نحو اللاعب الشهير “أندريس إنييستا” لم يكن يعرف أنه يقف أمام إنسان بسيط ومتواضع إلى هذه الدرجة، ولعل تواضعه هو سرّ محبة الآخرين له وانجذابهم إليه، بل إنّ مشجعي الفرق المناوئة لا يجدون ضيرا في الإشادة به كلما حقّق هدفا جميلا ينطوي على لمسة فنية تحرك النفوس قبل الأبدان وتُلقي بها في برازخ النشوة والجذل والحبور.
ينطوي هذا الفيلم الوثائقي الرياضي “أندريس إنييستا.. البطل غير المتوقع”  على قدر كبير من الإثارة فهو أقرب إلى السيرة الذاتية التي يشترك بروايتها ساردون متعددون بدءا من الكائن السيري الذي تتمحور حوله الوقائع والأحداث مرورا بأسرته الصغيرة، وانتهاء بأصدقائه المقربين من اللاعبين والمدرّبين والأطباء الذين ينتمون إلى النوادي الرياضية التي ذاع صيته فيها حتى صار أشهَر من نار على علم.
لا يركّز هذا الفيلم الشيق على عبقرية “إنييستا” الكروية فقط، وإنما يسرد قصة حياته كاملة منذ طفولته وسنوات شبابه التي أحبّ فيها “آنا أورتيز” وتعلّق بها إلى حد كبير جعله يستغني عن التفكير بأي امرأة أخرى حتى لو كانت على قدر كبير من الفتنة والإثارة والجمال.
من هنا أصبح بإمكاننا أن نعتبر الفيلم عائليا ورياضيا ونفسيا في آن واحد، كما يتحدث عن الغُربة داخل حدود الوطن وخارجه حينما شدّ الرحال بعد الإغراءات التي قدّمها “هيروشي ميكيتاني” رجل الأعمال والملياردير ورئيس نادي فيسيل كوبه لكرة القدم الياباني، ولم تُسعفه في غربته سوى زوجته الحميمة وأطفاله الأربعة الذين يملؤون حياته صخبا ومحبة.

ابن الريف الإسباني.. صانع الألقاب في عالم الساحرة المستديرة
حصل “إنييستا” على كم كبير من الألقاب العظيمة، والصفات الجليلة التي تنسجم مع مهارته الذهنية والبدنية فهو يُوصف بالفريد والساحر والمتوازن والظاهرة والأسطورة والمخادع والمُذهل والمثالي والمميز، كما يصفه آخرون بالموهوب والصادق والإنساني وروح الفريق والذي يرقص مع الكرة ويتوحّد معها حتى تصبح جزء من قدمه الذهبية.
وُلد “أندريس إنييستا” 11مايو/ أيّار 1984 في قرية فوينتيالبيّا التابعة لمقاطعة ألباثيتي، وكانت هذه القرية الصغيرة تشكو مثل شقيقاتها من القرى الإسبانية الأخرى من انعدام الملاعب الرياضية، فلا غرابة أن يلعب في الشارع مع أقرانه أو في أي مساحة ممهدة من الأرض، خصوصا أنّ أباه قد انتبه مبكرا إلى موهبته في لعبة كرة القدم.
فقد كان الأب أيضا لاعب كرة قدم في أحد نوادي الدرجة الثالثة، وقد تحمّل هذا الأب المثابر مشقّة نقله يوميا إلى منطقة ألباثيتي التي تبعد مسافة 40 كيلومترا عن القرية التي تقطنها العائلة من أجل تنمية إمكانياته البدنية والذهنية التي يمكن أن يلاحظها أي إنسان يمتلك ولعا بسيطا بكرة القدم.

أكاديمية لا ماسيا.. الخطوة الأولى في عالم الرياضة والغربة
ترك “إنييستا” المدرسة في سن الثامنة والتحق بنادي ألباثيتي لكرة القدم للأشبال بناء على دعوة من مدربي الفريق، وسافر مع أعضاء الفريق إلى بلدة برونيتي للمشاركة في البطولة السنوية التي تحمل اسم المدينة ذاتها.
كان والدا “إنييستا” يريدانه أن ينضم إلى نادي ريال مدريد لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن أحيانا لأن فرص الانضمام إلى النوادي الرياضية العريقة نادرة جدا، ولكن معرفتهما بالمدرّب “إنريكي أوريزاولا” قد أفادتهما من حيث لا يدريان، إذ طلب منهما أن يسجّلاه في أكاديمية “لا ماسيا” للشباب لتبدأ أولى فصول غربته الداخلية ونأيه عن الحياة الأسرية التي اعتاد عليها.
لم يعتد الأب “خوسيه” أيضا على فراق ابنه، ففي تلك الليلة التي قضاها الأبوان في أحد فنادق المدينة سقط الأب على الأرض وكأنه طفل في العاشرة من عمره، وكان يجد صعوبة في التنفس، وهو بالأساس يعاني من مرض القلب، وقد أعربَ عن استحالة العيش في هذه المدينة الكبيرة المكتظة، فهو قروي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وقد اعتاد على الحياة الريفية المفتوحة التي لا تعيقها العمارات والأبنية الشاهقة.
وقد أراد الذهاب إلى النادي لاستعادة ابنه لكن زوجته “ماريا” منعته وحالت دون ذلك، ولولا وجودها هناك لتغيّر مصير “إنييستا”، فهي امرأة قوية تفكر بمستقبل ابنها، بينما لم يفلح “خوسيه” في تحطيم الدائرة العاطفية التي أخذت منه مأخذا كبيرا.

“كنا نعلم أنه يبكي، ولكنه كان يبكي بصمت”.. معركة التأقلم
لم يكن المُخرج موفّقا في اختيار العنوان لأنّ أحداث الفيلم برمتها تشير إلى أنّ “إنييستا” كان مُرشحا لأن يكون البطل المتوقع، وقد أظهرت موهبته المبكرة مثل هذه التوقعات وكان الأجدر بالمخرج أن يسمّي هذا الفيلم “أندريس إنييستا.. البطل المتوقع” لينسجم العنوان مع نسيج الفيلم وأحداثه الممتعة الجذابة التي تنطوي على كثير من الإثارة والترّقب والتشويق.
ويبدو أن المخرج قد اعتمد في صياغة هذا العنوان على وجود الأم معه، ومرافقته إلى “لا ماسيا”، ولولاها لعاد هذا الابن إلى قريته ليدفن أحلامه الكروية فيها.
لقد عانى “إنييستا” كثيرا لكنه سوف يعتاد على حياته الجديدة، ولعل من المفيد الإشارة إلى “رامون بيسا” كاتب سيرته الذاتية الذي وصف الحالة النفسية لدى “إنييستا” بدقة حينما قال: كنّا نعلم أنه يبكي، ولكنه كان يبكي بصمت.
لم يكن “إنييستا” يفكر بأن يكون لاعب كرة قدم فقط، وإنما كان يسعى بشكل محموم لتحقيق أحلام والديه وتوقعاتهم الكبيرة التي رسموها في أذهانهم، ويضيف “رامون بيسا” الذي نجح في تحليل شخصية “إنييستا” وكشف عن خباياها: إن الأهل أحضروا “إنييستا” بجرعة كبيرة من التوتر وكانت طريقته في التمرّد هي التعبير عن نفسه بالكرة، ولهذا السبب فهو لاعب مختلف لأنه يفعل أشياء غير تقليدية بالكرة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل