نزار قباني.. معركة القصيدة ضد الغزاة والطغاة “الجزء الثاني”

عمار10 سبتمبر 2020آخر تحديث :
نزار قباني.. معركة القصيدة ضد الغزاة والطغاة “الجزء الثاني”

“أنا الدمشقي”.. عبق التاريخ والحاضر والمستقبل
كثيرا ما ذكر نزار في قصائده حبه العميق وحنينه لدمشق بياسمينها وصفصافها، لبيت تربى في كنفه، لكل تفاصيل الحياة الدمشقية الوادعة والحميمة، وكان إحدى يديه تكتب شوقا لدمشق والأخرى تندب ما وصلت إليه الحال.
يقول في إحدى قصائده:
أنا الدمشقي لو شرّحتم جسدي
لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح
ولو فتحـتم شراييني بمديتكـم
سمعتم في دمي أصوات من راحوا
زراعة القلب تشفي بعض من عشقوا
وما لقلـبي –إذا أحببـت- جـرّاح
مآذن الشـام تبكـي إذ تعانقـني
وللمـآذن –كالأشجار- أرواح
للياسمـين حقولٌ في منازلنا
وقطة البيت تغفو حيث ترتـاح
طاحونة البن جزءٌ من طفولتنـا
فكيف أنسى وعطر الهيل فواح؟
هنا جذوري، هنا قلبي، هنا لغـتي
فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح؟
ما للعروبـة تبدو مثل أرملةٍ؟
أليس في كتب التاريخ أفراح؟
وكيف نكتب والأقفال في فمنا؟
وكل ثانيـةٍ يأتيـك سـفاح؟

“سرقوا فاطمة الزهراء من بيت النبي”.. إشارات التغول الشيعي
أحكم حافظ الأسد قبضته على مفاصل سوريا وازداد ظلما وغطرسة وعاث في الأرض فسادا واستبدادا، فكتب نزار قصيدته مرسوم بإقالة خالد بن الوليد قال فيها:
سرقوا منا الزمان العربي
سرقوا فاطمة الزهراء من بيت النبي
يا صلاح الدين باعوا النسخة الأولى من القرآن باعوا الحزن في عيني علي
يا صلاح الدين باعوك وباعونا جميعا في المزاد العلني ..
يا صلاح الدين
هل تسمع تعليق الإذاعات وهل تصغي الى هذا البغاء العلني
أكلوا الطعم وبالوا فوق وجه العنفوان العربي.
إن قلة من الشعب السوري ومن بينهم أهل دمشق هم من أدركوا الإشارات المبكرة التي حذرت من التغول الشيعي باسم الإسلام والتدين وحب آل بيت رسول الله، ليهدموا الإسلام والحضارة في سوريا.

“تركوا فلسطين ليغتالوا غزالة”.. تفجير السفارة العراقية
مع اشتداد الحرب العراقية الإيرانية تصاعد الخلاف بين نزار قباني وحافظ الأسد، وكانت بيروت وقتها أرض خصبة لتصفية الحسابات، لكن لم يعلم نزار وقتها أنه سيكون جزءا من تصفية الحسابات تلك، فقد اغتيلت زوجته بلقيس في تفجير استهدف السفارة العراقية مقر عملها.
كان نزار يحب زوجته بلقيس كثيرا، وقد ألهمته للعودة إلى الشعر بعد توقف دام ثلاث سنوات، فلقد كانت حاضرة في قصائده تأخذ دور الراوي، قال عنها نزار: بلقيس أعادت الحبر للأقلام مثلما أعادت الدماء للعروق.
وقد فجع نزار أشد فجيعة بموت بلقيس، وكتب في رثائها قصيدة من عيون شعره يقول فيها:
شكرا لكم.. شكرا لكم
فحبيبتي قتلت
وصار بوسعكم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيده
وقصيدتي اغتيلت .
وهل من أمـةٍ في الأرض إلا نحن تغتال القصيده؟
بلقيس كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل
بلقيس كانت أطول النخلات في أرض العراق
كانت إذا تمشي ترافقها طواويس وتتبعها أيائل
بلقيس يا وجعي ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل
وقد وجه في قصيدته أصابع الاتهام للنظام السوري وجيشه، فذلك حيث يقول:
سأقول في التحقيق :
إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل
وأقول في التحقيق
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول
وأقول إني أعرف السياف قاتل زوجتي
ووجوه كل المخبرين
لو أنهم حملوا إلينا من فلسطين الحزينة نجمة أو برتقالة
لو أنهم من ربع قرن حرروا زيتونة أو أرجعوا ليمونة
ومحوا عن التاريخ عاره
لكنهم تركوا فلسطين ليغتالوا غزالة.

“القمع أساس الملك”.. صرخة على هامش مجزرة حماة
بعد سنوات القهر وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات في سوريا، شهدت البلاد سنوات أخر دامية، وكان على رأسها مجزرة حماة، فقد تفاحشت دكتاتورية حافظ الأسد وأصبح يُذكر في وسائل الإعلام الرسمية بطريقة لافتة وغير مسبوقة من تمجيد وتعظيم لشخصه.
وقد جسد نزار هذا الواقع في قصيدته “عزف منفرد على إيقاع الطبلة”:
الدولة منذ بداية هذا القرن تعيد تقاسيم الطبلة
“الشورى بين الناس أساس الملك”
“الشعب –كما نص الدستور– أساس الملك”
لا أحد يرقص بالكلمات سوى الدولة
لا أحد يزني بالكلمات، سوى الدولة
“القمع أساس الملك”
“شنق الإنسان أساس الملك”
“حكم البوليس أساس الملك”
“تجديد البيعة للحكام أساس الملك”
“وضع الكلمات على الخازوق أساس الملك”
وتقول الصحفية سميرة المسالمة: لو أراد نزار أن يكتب قصيدة تحاكي واقعنا اليوم، فلن يخرج بأفضل من هذه القصيدة.

“لا نجم فوق شاشة التلفاز إلا عنترة”.. إعلان الحرب على حافظ الأسد
انتقد نزار قباني في قصيدته “يوميات شقة مفروشة” أيضا الحكم المستبد للنظام في سوريا وحرمان الشعب من أبسط حقوقه كالحرية والمساواة، مما أثار غضب النظام السوري، وأصبح نزار عدوه اللدود وقصائده تشكل مصدر إزعاج له، وقد أصدر قرار بمنعه من دخول سوريا، وجاء القرار من أعلى سلطة في الدولة أي من الرئيس حافظ الأسد.
يقول في قصيدته:
هذي البلاد، شقة مفروشة يملكها شخص يسمى عنترة
كل الميادين هنا تحمل اسم عنترة
عنترة يقيم في ثيابنا في ربطة الخبز
وفي زجاجة الكولا.. وفي أحلامنا المحتضرة
في عربات الخس والبطيخ في الباصات
مدينة مهجورة مهجرّة
لم يبق فيها فأرة أو نملة، أو شجرة
لا نجم فوق شاشة التلفاز إلا عنترة
بقده الميّاس أو ضحكته المغبّرة.

“وأمية راياتها مرفوعة”.. واقع مهين لأحفاد فاتحي الأندلس
ترى سميرة مسالمة أن نزار كان لديه همّ ورفض، فكيف لمن فتح الفتوحات ووصل الأندلس أن يستكين إلى الظلم الذي مارسته الأنظمة العربية، وهذا ما جسده في قصيدة “غرناطة”:
هل أنت إسبانية؟ ساءلـتها
قالت: وفي غـرناطة ميلادي
غرناطة؟ وصحَت قرون سبعة
في تينـك العينين بعد رقاد
وأمـية راياتـها مرفوعـة
وجيـادها موصـولة بجيـاد
ما أغرب التاريخ كيف أعادني
لحفيـدة سـمراء من أحفادي
وجه دمشـقي رأيت خـلاله
أجفان بلقيس وجيـد سعـاد
ورأيت منـزلنا القديم وحجرة
كانـت بها أمي تمد وسـادي
واليـاسمينة رصعـت بنجومها
والبركـة الذهبيـة الإنشـاد
قالت: هنا الحمراء زهو جدودنا
فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي
أمجادها؟ ومسحت جرحاً نـازفاً
ومسحت جرحاً ثانيـاً بفـؤادي
يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـت
أن الـذين عـنتـهم أجـدادي
عانقت فيها عندما ودعتها
رجلا يسمى طارق بن  زياد.
وهنا يحاول نزار استشعار استفاقة العربي من غفوته والنظر إلى الماضي الذي حمل في ثناياه المجد والعراقة، والعودة منه لحاضر جديد مشرق يعيد لذاك الماضي ألقه ويضمن استمراريته.

“قتلتم أمي وتريدون سرقة أبي؟”.. جنازة بطل شعبي في دمشق
ظل نزار في بلاد الاغتراب بقية حياته إلى أن وافته المنية في لندن عام 1998، ويبدو أن الرئيس استدرك أخطاءه في منع نزار من دخول سوريا، ووافق على دفنه بناء على وصيته في مسقط رأسه.
وقد ذهب وفد من السفارة للعزاء فقابلتهم ابنته الصغرى وقالت لهم: “قتلتم أمي وتريدون سرقة أبي؟”، وصلت تلك الأخبار إلى النظام السوري فأوقف كل الأغاني التي تغنت بقصائده، ومنع ذكر اسمه في كل وسائل الإعلام السورية المرئية منها والمسموعة والجرائد والمجلات.
وعندما وصلت جنازة نزار إلى دمشق واحتضنها الشباب بحب وحملوه على الأكتاف كبطل يخرج من رواية شعبية، جاء رجال الأمن والمخابرات ليسيطروا على جنازته وبدأوا بالهتاف للرئيس.
يقول محمد منصور: خاف النظام أن تتحول الجنازة لبؤرة تمرد فوقف رجال الأمن على طول شارع النصر الذي مرت منه الجنازة قبل أخذها لباب الجابية، ومنع التصوير أو نشر شيء يخص نزار.

“لا قمح يطلعُ من تحت هذا الركام”.. أنين تحت وطأة الطائفية
رحل نزار، لكن شعره السياسي ما زال خالدا ومصدر إلهام للشعوب العربية في ثوراتهم ضد الظلم والقهر والاستبداد.
يقول نزار في قصيدة “الثقب”:
لقد مر عشرون عاما علينا
لقد مر عشرون عاما
ولا نجمَ يسطعُ
لا أرضَ تحبلُ
لا قمح يطلعُ من تحت هذا الركام
ولا غيمةٌ ماطره
فهل نسي الشارعُ العربيُّ الكلام؟
وصرنا شعوبا بلا ذاكره
لماذا الجماهير بين المحيط وبين الخليج تجوب الأزقة كالقطط الخائفة؟
وأين هو الشارع العربي الذي كان يمضغ لحم الطغاة ويخترع العاصفة؟
وكيف خرجنا من الحلم الوحدوي الكبير
لندخل ثقبا صغيرا
يسمونه الطائفة؟!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل