الصين أو أمريكا. ماذا لو كانت الصين

محمد13 مايو 2020آخر تحديث :
الصين أو أمريكا. ماذا لو كانت الصين

الصين أو أمريكا. ماذا لو كانت الصين ؟

ينبثق مخاض التجارة العالمية، من الشركات والمؤسسات المالية التي توفر الخدمات ، وفي جيواقتصادية العالم ، حرب الشركات أشرس من حرب الدبابات. الشركات تُسيّر العالم ، توظّف الملايين ، كما تعطي سمعة قيادية للدول. لذا التجسس في عالم الشركات أخطر حتى من التجسس العسكري والسياسي. جواسيس الشركات لا ينظمون انقلابات سياسية، بل انقلابات مالية وملكيات فكرية. يسرقون الأسرارالصناعية. “les Secrets industriels. فليست بمبالغة لمّا اتهم ترامب الصين بسرقة الحقوق الفكرية الأمريكية. كل الأمم تفعل ذلك، مع المنافس والحليف. إسرائيل سرقت أسراراً صناعية أمريكية، أمريكا سرقت من اليابان ،اليابان من أوروبا، إنّها قواعد اللعبة.

لكن ميزة الصين أنّها ترفض اللعب حسب القواعد الغربية . خطأٌ قاتل تقع فيه أفريقيا في نضالها التحرري ضدّ الغرب ، نلعب لعبة وضعت أعداؤنا قوانينها ، بل غالباً نلعب دون معرفة القواعد حتى! بأي حق نتوقع الفوز؟ بالمقابل الصين ، تنسحب في كل لعبة وضع الغرب قواعدها ، غالبًا لإعادة التموضع ، وأحيانًا لخلق أرضية جديدة تضع هي قواعدها عليها.

فالتفكير الغربي تتلخص حول تعاليم كلاوزفيتز ( 1780-1831) هو الندّ الاستراتيجي لصن تزو. وعن: لعبة الشطرنج، التي تتمحور حول المواجهة والتفكير الأبعد، وتوقّع تحركات الخصم دائما. أما التفكير الاستراتيجي الصيني نابعٌ عن : تعاليم فنّ الحرب ، للاستراتيجي صن تزو ، الذي تحدثنا عنه. ثم لعبة “ألفاغو-AlphaGo”، وتسمى اختصاراً ” الغو”. أهميتهما: توفران تفكيراً مغايراً عن التفكير الغربي.

على عكس الشطرنج التي هي لعبة مواجهة، الغو Go لعبة نفوذ ، تركزّ على فترة طويلة وتستخدم التفاصيل الدقيقة لسحق الخصم، بما في ذلك تشتيت الانتباه ، الاستنزاف ، التعفن … وفي وقت النصر فقط، تتجلى عقلانية الفائز بكامل بهائها، في لعبة الغو تتجنّب مواجهة الخصم ، ويفضل حصاره ومن ثم لا يوجد مكان للخاسر للمناورة ؛ إنّه اختناق كامل.

كيف طبقت الصين سياسة لعبة الغو ضد خصومها؟ عبر ثلاث استراتيجيات:
•1: الاستحواذ على لبنة التجارة والتكنولوجيا العالمية ، وتلك اللبنة هي مادة ذات قيمة عالية، تسمّى بالأرضية النادرة ” Terre rare” Rare Earth. ويطلق عليها ذهب القرن21.

ماذا تعرف عنها؟: الأرضية النادرة هي مجموعة مكونة من 17 عنصرا تحظى بقبول عالمي، لخصائصها المغناطيسية والكهروكيميائية الفريدة، عناصرها حيوية في إنتاج عقاقير علاج السرطان والهواتف الذكية وتقنيات الطاقة المتجددة ومصافي تكرير النفط. بل أهم من ذلك يستخدم في صناعة الأسلحة، في الرعاية الصحية ، وخاصة الإمدادات الجراحية ، وأحهزة ضبط نبضات القلب. ليس هذا فقط يستخدم في عدسات التلسكوب، ومحركات الطائرة، ويستخدم في الليزر ، والصواريخ، والمسدسات، والكمبيوتر ، والبطاريات . بعبارة أخرى من يسيطر على الأرضية النادرة يسطر على الإنتاج العالمي. برأيك من ينتجها ويصدّرها للعالم؟ كانت أمريكا. والآن الصين مالكة الأرضية النادرة، بنسبة تتراوح بين 80-97%، ففي تقرير لوكالة رويترز الأمريكية، الصين تنوي تقليل التصدير إلى الغرب بنسبة 10% كل سنة ، فهي التي تنتج وتصدّر ملايين الطن للعالم. فإن انقطع التصديرات عن “أبل Apple”، أو سامسونغ، سترجع لعصور الكهف. فليس عبثًا أن يقول بومبيو ” إنّ اعتمادالولايات المتحدة على الصين يمثل تهديدًا للأمنها القومي”.

•2: محاصرة الشركات الغربية بقواعد لعبة صينية:
في الغرب الرأسمالي المتوحش، لا يعرفون قيمة الجماعة ، الفرد أهم من الجماعة. عكس الصين، لذا تظاهرت بتبنّي الرأسمالية، لكن وفق شروطها.
فتّش في الغرب عن مالكي الشركات الكبرى كلها لأفراد وعائلات، هو العكس تماما مع الصين تتظاهر بتعيين فرد على رئاسة الشركة بينما المالك الحقيقي، الدولة الصينية. وهكذا أضحت لعبة غشّ، فالرأسمالية تعارض دعم الدولة للشركات ، بل على الفرد شقّ طريقه بنفسه. منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي كلها شركات تفرض النموذج الرأسمالي الذي انتصر على الاشتراكيةالسوفييتي، الصين تتحايل على القواعد.

في ترتيب 2019 ل “غلوبال فورتشن “Global Fortune500″، وهو مركز دراسات عالمية تضمّ 500 شركة التي تسيطر على العالم ، هذه الشركات توّلد 32.7 تريليون دولار كدخل سنوي، أرباحها الصافية لعام 2018 قدّرت ب 2.1 تريليون دولار . عدد الموظفين لهذه الشركات69.3 مليون في 34 دولة حول العالم.
تهمنّا هنا الشركات الخمس الأوائل هي : 1- والمارت، 2- سينوبيك غروب، 3-، شيل، 4- تشاينا ناشيونال بتروليوم. 5-ستيت غريد.
ثلثا هذه الشركات صينية، وهي 2-4-5 :

  • سينوبيك غروب-Sinopec Group: شركة طاقة هيدروكربونية، تعمل في النفط ، يورانيوم ، غاز، وأخرى . دخلها السنوي يُقدّر ب414,649,90 مليار دولار. يرأسها المدير ” داي هوليانغ- Dai Huliang، وتوظف 619.515 ألف.
  • تشاينا ناشيونال بتروليوم -China National Petroleum : شركة البترول والمشتقات ،دخلها السنوي يقدّر ب 392,976 مليار دولار. ويديرها ” زنغواي-Zhang Wei”، وتوظف 1.382,401 مليون.
  • ستيت غريد-State Grid: للمشتقات النفطية والطاقة النظيفة ، يرأس السيد، شن باوان-Xin Baoan, ، الإدارة التنفيذية. وتوظف917.717 ألف إنسان. كلها دخلت السوق التنافسي عام 2000. بمعنى في 20 سنة فقط تفوقت على منافساتها من توتال، إغزون موبيل، شيل ، بي پي. بلغة الاقتصاد أشبه بمعجزة. لكن ليس غريبا إنها استراتيجية صن تزو، وتعليمات لعبة الغو. يتلقونها منذ الطفولة.

•3: استخدام قوة الخصم ضدّه تكتيك لعبة الغو:الأيكيدو(Aikido ): استراتيجية في لعبة الغو ، وتعنى: استخدام قوة العدّو ضدّه ، تدرس تحركات الخصم ثمّ استخدامها ضدّه. وطوّره الفيلسوف الياباني: موريهاي أويشيبا- Morihei Ueshiba ، على فنون القتال اليابانية الحديثة كتوليف لدراساته القتالية وفلسفته ومعتقداته الدينية.

يدرك كل مبتدئ في الاقتصاد، أنّ قوة الولايات المتحدة الاقتصادية على الإطلاق هي ” الدولار”. هذه العملة بالضبط ما ستستخدم الصين ضدّ صاحبها. وفقاً لتقرير المجلة الاقتصادية “ڤاليو وولك- Valuewalk”، ساعدت الصين صادراتها الضخمة وفائضها التجاري عاماً بعد عام في بناء أكبرا احتياط نقد أجنبي في العالم( Forex reserves). اعتبارًا من مارس 2019 ، احتفظت ب 3.11 تريليون دولار من احتياطيات الفوركس ،وهو أكثر من 2.5 ضعف احتياطيات اليابان.
يا للمفارقة، أن تكون إحدى قوة الصين هي الدولار ، هذه الورقة السيئة التي يمزقها الجميع ، هي تحتفظ بها بكميات كبيرة ويمكنها استبدالها بميناء في جيوبي كقاعدة عسكرية، أو مطار في فلبين، أو أرض زراعية، أو مصنع أوروبي، أو خط سكة حديد ، إلخ. بل تمويل أكبر مشروع ” الحزام والطريق” الذي يشكل العنصر الأساسي للهيكل الذي تبنيه الصين لضرب هيمنة الغرب. الولايات المتحدة تسيطر على البحار ومضايق العالم، ومشروع طريق الحرير سيكسر هذه الهيمنة. وبالدولار الأمريكي، إنها ” الإيكيدو” بجميع تفاصيله. هو التصرف في تناغم تام ، أشبه بموسيقى سمفونية .
لكن مع هذا التناغم تبقى شوكة عالقة في حلق الصين وهي الشركات الغربية التي تكثر في بلدها ، فالصين استراتيجيتها تكمن في تقليص الاستهلاك المحلي، وادخاره كمخزون استراتيجي: مليار وأربعمائة إنسان، يعتبر سوقًا رائعًا ورهيبًا، الصين تودّ تفعيل استهلاك مواطنيها في وقت أزمة أو صراع مع الغرب. لكن نتيجة للضغوطات الدولية، اضطرت لفتح سوقها أمام الشركات الغربية. الغرب لم يُقدّر هذه التضحية. إذْ قرّر ترامب مع حلفائه الأوروبيين إعلان حرب تجارية ضد الصين. حسرة!

في منظور الصين بات الانتقام حتمًا: الانتقام كورونا:
في 13 مارس 2020، يصلنا تقرير من تشاينا ديلي-China Daily ، بأنّ الصين حطمت العديد من الأرقام القياسية، ثم مقال آخر ، لمستشار العلاقات الدولية ، إيليا أيمن الربضي، على وكالة ” عمّون ” بعنوان ” فيروس الصين العظيم، لعبة القرن الأخطر ” يؤكدّ التقريران أن الصين ربحت في ليلة واحدة 200 مليار دولار في الأخبار الأولى فقط، واشترت حوالي 30 ٪ من أسهم الشركات المملوكة للغرب في الصين. مالا يذكر التقريران هو استراتيجية الصين لتحقيق ذلك. ماذا حدث ؟:
يقول صن تزو ” جميع الأمور الحربية متعلقة بالخداع ، الحرب مكر وخدعة” هاك كيف خدعتهم الصين؟

بسبب انتشار الفيروس في ووهان ، بدأت العملة الصينية ( يوان) في الانخفاض ، لكن البنك المركزي الصيني لم يتخذ أي إجراء لوقف الانهيار. وصاحبها أيضًا العديد من الشائعات بأن الصين لم يكن لديها حتى أقنعة كافية لمكافحة الفيروس كورونا. شائعات لم يكذبّها الحزب الشيوعي الصيني، بل أدت هذه الشائعات – إضافةً إلى بيان الرئيس الصيني ،شي جين بينغ، عن خروج الوضع تحت السيطرة في ووهان وبعد إغلاق الحدود – إلى انخفاض حاد في أسعار الأسهم بنسبة (44٪) في شركات التكنولوجيا والصناعات الكيميائية.
فبدأت ذئاب المالية والأسهم، الغربيون، في بيع جميع الأسهم الصينية في شركاتهم الموجودة في بكين ، لكن لم يرغب أحد في شرائها. يقول صن تزو: ” ابقِ لديك طعمة تغري بها العدّو ، تظاهر بانتشار الفوضى في صفوفك ثم اسحق العدّو”.
بعد عروض البيع من الشركات الغربية للأسهم، واللامبالاة من العملاء ، قررت الشركات الغربية تخفيض قيمتها إلى أدنى مستوى.

يقول صن تزو: ” عندما نكون قادرين على الهجوم يجب أن نبدو وكأننا عاجزين…تظاهر بالضعف حتى يتمادى العدو في غروره ثم اسحقه ” بناءاً عليه:
اتخذ الرئيس الصيني، شي جينبينغ تكتيكا كبيراً ، انتظر أسبوعًا كاملاً، يتظاهر بضعف ، بل صرّح أنّ” كورونا شيطان”، – عجيب من كونفوشيوسي الإيمان بالشيطان- ، مع ابتسامة طفيفة على وجهه في المؤتمرات الصحفية كما لو لم يكن يخططّ شيئاً في الخفاء.
وعندما انخفض أسعار الأسهم إلى ما دون الحد المسموح به، قدمت السلطات الصينية تعليمات بشراء جميع الأسهم الأوروبية والأمريكية في نفس الوقت! حينها أدركت “الذئاب المالية” الأوروبية أنها تعرضت للخداع وإفلاس في نفس الوقت. لكن هيهات، فقد فات الأوان ، لأن جميع الأسهم انتقلت للصينيين، الذين لم يكسبوا في المجمل 2000 مليار دولار فحسب، ولكن بفضل الدهاء ، أصبحت الصينيين المساهم الأكبر في تلك الشركات التي بناها الأوروبيون والأمريكيون على أرضها. كما أصبحت مالكة للصناعات الثقيلة التي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي وأمريكا والعالم. من الآن فصاعدا ، ستحدد الصين السعر ولن تترك عائدات شركاتها الجديدة تذهب خارج حدودها. ونتيجة لذلك ، اتضح أن “الذئاب المالية” الأمريكية والأوروبية مخدوعة !
أيضاً ” كش ملك”.
صن تزو الصيني ولعبة الغو الصينية تتفوق على حنكة وذكاء كلاوزفيتز والشطرنج.
عندما أقرأ خساراتهم المتلاحقة أمام الصين ، أسأل كيف استعمرنا هذا الغرب ؟ صراحة كيف استعمرورنا؟ لغز !!

الصين تسيطر ، على الأرضية النادرة ، شركاتها في الطاقة طغت على الشركات الغربية ، استغلت الدولار لضرب الهيمنة الأمريكية ،واستخدمت أجواء كورونا للاستحواذ على شركات أوروبية. بينما أوروبا في انهيار اقتصادي، أمريكا تخصص 2 تريليون لدعم الاقتصاد ،البنك الدولي يقول : إنّ الأزمة الاقتصادية التي ستعقب كورونا ستفوق أزمة 2008، وقد يرتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 30٪حسب بنك الاحتياطي الفدرالي. للمقارنة في الكساد العظيم لم ترتفع نسبة البطالة لهذه الدرجة. ترامب بدأ حربا بغباء ، واليوم لم يخسرها فقط ، بل أمريكا تخسر معه. ويزيد في الطنبور نغماً أنّ الإصابات بأمريكا الآن فاقت الجميع بما في ذلك الصين وإيطاليا. صارت بؤرة الفيروس ، وترفض الصين إعطاء أمريكا المعلومات الأساسية لمحاربتها ، كما في لعبة الغو ، لا بدّ للخصم أن يستنزف. فقد قال بومبيو: ” يؤسفنا التعتيم والتضليل الذي يشارك فيه الحزب الشيوعي الصيني لحرمان العالم من المعلومات التي يحتاجه لمنع حدوث إصابات جديدة بكورونا “. الغفلة الهالكة لإدارة ترامب محزنة ، لم تدرك أنه تضليل مقصود، أمريكا أعلنت الحرب، وعليها تحمّل عواقبها. نصيحة: لا توقظ التنين.
للامانة المقال منقول د.إ

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

التعليقات تعليقان
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
  • عبدالقادر
    عبدالقادر 14 مايو 2020 - 12:18

    ولمذا لا معا لاثنين

  • حمقاء
    حمقاء 14 مايو 2020 - 1:23

    شكرا لكم

عاجل