كيف أصبح ترامب أكبر مصدر للتضليل؟

عمار17 نوفمبر 2020آخر تحديث :
كيف أصبح ترامب أكبر مصدر للتضليل؟

منذ سنوات، كانت الصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني منغمسة في التحضير لمواجهة حملة تدخل أجنبي في العملية الانتخابية الأميركية، لكن الوضع تغير نتيجة الواقع الغريب المتمثل في أن أكبر تهديد للديمقراطية الأميركية هو الرئيس نفسه، دونالد ترامب، وأسلوب هجومه الأساسي المتمثل في حملة تضليل منسقة.
لقد دعم ترامب مباشرة “براود بويز”، وهي عصابة شوارع فاشية جديدة، أمام جمهور تلفزيوني يبلغ 73 مليون شخص، ثم حيّاهم خلال تظاهرة أمام البيت الأبيض الأسبوع الماضي. صحيح أن الحكاية الكاذبة عن التزوير يمكن أن تزرعها أي دولة أو جهة لتقوض ثقة الأميركيين في العملية الانتخابية، لكن يصعب أن يؤدي ذلك مفعولاً أكبر من المعلومات المضللة حول تزوير الناخبين وبطاقات الاقتراع عبر البريد القادمة مباشرة من البيت الأبيض وحملة ترامب نفسه. وما تغريدات ترامب في نهاية الأسبوع حول “تزوير” أدى إلى فوز بايدن، سوى جزء من هذه الحملة المنسّقة، والتي قال ترامب فعلاً إنّه سيقوم بها منذ ما قبل الانتخابات، يوم بدأ التحريض ضدّ التصويت عبر البريد، كون كلّ التوقّعات أشارت إلى أنّ المرشح الفائز جو بايدن سيتقدّم فيها، لأنّ الديمقراطيين دعوا مؤيديهم إلى اعتمادها في الاقتراع لتقليل احتمالات الإصابة بفيروس كورونا.

في هذا الإطار، نقلت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية عن المديرة التنفيذية لـ First Draft، وهي مجموعة تبحث في المعلومات المضللة ،وتكافحها، كلير واردل، قولها: “لا يتعلق الأمر بإقناع الناس بطريقة أو بأخرى، بل يتعلق بإخافتهم والتسبب في الفوضى والارتباك”. وتابعت: “وسائل الإعلام مهووسة بالروس، لكن أن يخبر رئيس الولايات المتحدة الأميركيين أنهم لا يستطيعون الوثوق بنتائج الانتخابات، فذلك لم يكن ليحلم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
كان لحملة التضليل الروسية في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 اتجاهان رئيسيان: حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لزرع الانقسام وانعدام الثقة بين الناخبين، وعملية “القرصنة والتسريب” التي أدت إلى نشر رسائل البريد الإلكتروني والوثائق المسروقة من الديمقراطيين ومرشحتهم هيلاري كلينتون.

تكرّر تكتيك الاختراق والتسريب في عام 2020، عندما دفع محامي ترامب، رودي جولياني، برسائل بريد إلكتروني ورسائل نصية مشكوك فيها من المفترض أنه تم الحصول عليها من “سي دي” مرتبط بنجل جو بايدن، هانتر. تقول الأستاذة في جامعة سيراكيوز، ويتني فيليبس: “لا ترى نفس النوع من التضخيم الساذج الذي يخرج عن نطاق السيطرة الذي رأيته في عام 2016″، فقد خدمت الصحافة أغراض المتلاعبين بوسائل الإعلام والمتصيدين وجماعات الكراهية في عام 2016. وكشفت الصحف الكبرى زيف مزاعم جولياني وقلصت من شأنها، وفشلت فكرة القرص الصلب المدمج (سي دي) المسروق في جذب اهتمام الجمهور بنفس الطريقة التي فعلتها مجموعات رسائل البريد الإلكتروني المسروقة.
وفشلت حملة إعادة انتخاب ترامب في استعادة سحر عام 2016 عندما يتعلق الأمر برسائل البريد الإلكتروني المخترقة، لكن الرئيس استخدم إرشادات وسائل التواصل الاجتماعي الروسي لعام 2016 من البيت الأبيض. وتقول فيليبس: “أنا متأكدة من حدوث بعض الأشياء ذات التأثير الأجنبي وقد نعرف المزيد عنها لاحقاً. لكن كثيراً من التلوث يتدفق من البيت الأبيض نفسه، والناس غارقون تماماً في الأكاذيب والارتباك بشأن كورونا وأوراق الاقتراع. ترامب يجعل من المستحيل تقريباً على الناس ألا يصابوا بالإحباط والاشمئزاز”.
استهدفت جهود التضليل الإعلامي هذا العام في وسائل التواصل الاجتماعي خطوط الانقسام المجتمعية المألوفة. واستهدف كل من العملاء الروس وحملة ترامب في عام 2016 الناخبين السود برسائل تهدف إلى كبت الحماس تجاه كلينتون وقمع أصواتهم. تقول الباحثة في المعلومات المضللة، شيرين ميتشل إن جهوداً مماثلة، لا سيما تلك التي تستهدف النساء السود، جرت في هذه الانتخابات. وتوضح أن “هناك مجموعات تعمل بشكل أساسي على إخراجنا من الحزب الديمقراطي، وتخبرنا قصة تتطابق مع ما نمر به، وتتحدث لغتنا”. ومن بين هذه الحملات واحدة تدعو إلى عدم التصويت لأي مرشح لأنهما “متشابهان”.
ويقول الباحث في المعلومات المضللة في Equis Labs، جاكوبو ليكونا، إنه كان يتتبع صفحات بارزة في اليمين المتطرف على “فيسبوك” تدفع بمعلومات كاذبة حول التصويت والرسائل المناهضة لحملة “حياة السود مهمة”. ويشير إلى أن الجهود المبذولة لتصوير بايدن على أنه “اشتراكي” فّعالة بشكل خاص بين مجتمعات المهاجرين الكوبيين والفنزويليين.

منصات التكنولوجيا، بعد أن اعترفت متأخرةً وعلى مضض بأن أدواتها قد استخدمت لأغراض سيئة في عام 2016، أجرت إصلاحات جعلت بعض التكتيكات القديمة، غير معتمدة، مثل ردع المستخدمين السود عن التصويت الذي مورس في الانتخابات السابقة. وتقول مديرة الأبحاث في مركز شورنستين بجامعة هارفارد، جوان دونوفان، إن مثل هذه الإصلاحات قد تكون أحد الأسباب التي جعلت ترامب يؤجج نيران العنف السياسي علانية، سواء من خلال رسالته إلى “براود بويز” أو دعوته لأنصاره ليصبحوا “مراقبي استطلاعات رأي”. وتقول فيليبس إن عنصرية ترامب الصارخة وهجماته على النساء السود، بما في ذلك المرشحة الديمقراطية لمنصب نائب الرئيس (الفائزة)، كامالا هاريس، وعضوة الكونغرس، إلهان عمر، يمكن أن يكون لها تأثير في قمع الإقبال بين الناخبين السود، وذلك ببساطة عن طريق إحباط الناس وإثارة اليأس. وتوضح: “إذا شعر بعض الناس بأنهم محطمون تحت وطأة كل هذا الهراء، فسيكون ترامب هو المستفيد”.
لكنّ السيطرة على القصّة وإيضاح الحقيقة من التضليل ليس بالأمر السهل. وتقول واردل: “تزدهر المعلومات المضللة عندما يكون هناك فراغ أو ارتباك، وأخشى أن يكون هناك الكثير من الإرتباك ومن ينجح في التحكم في السرد سيكون في وضع جيد للغاية”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل