لا شكّ وأنّ دولةً بمساحة الصين الشاسعة ستضمّ من التنوّع القومي والإثني ما قد لا يوجد في معظم قارات العالم، وإن كانت تلك الشعوب حفيدة أو نصيرة حضارات ودول قديمة، وربّما عدوّة سابقة، وفي غمرة كلّ ذلك التنوّع، ستولد التناقضات والمفارقات التاريخية لشعوب الدولة الواحدة، كما هو حال شعب الإيغور (Uighur)، الذي يعيش اليوم مع حكومة الصين أوضاعًا أقل ما يمكن القول عنها أنّها غير مرضيةٍ للطرفين.
شعب الإيغور
الإيغور أقليّةٌ عرقيّةٌ مسلمةٌ ناطقةٌ بالتركيّة، تقطن بشكلٍ أساسيٍّ في منطقة سنجان أو شينجيانغ (Xinjiang) الواقعة شمال غرب الصّين، ويبلغ عددهم اليوم 10000000 شخصٍ في الصين، و300000 خارجها (في أوزبكستان، كازاخستان، قرغيزستان، وما جاورها). يعتبر الإيغور شعبًا ريفيًّا يعمل معظمهم بالزّراعة وخاصّةً القمح، والذّرة، والبطّيخ والقطن الذي يعد المحصول الصّناعيّ الأساسيّ.
رغم كونهم تابعين للصّين جغرافيًّا وسياسيًّا، إلّا أنّ الإيغور لا يفهمون لغة ماندراين الرسميّة الصينيّة، ولا يتعاملون بأيّة لغةٍ صينيّةٍ أخرى على الإطلاق، بل يتمسّكون إلى الآن بلغتهم الأم الأصليّة.
أصل الإيغور
إذن، فالإيغور شعبٌ تركيُّ الأصل، وصلوا إلى تركستان الشرقيّة بعد الحملات التوسعيّة للأتراك في منغوليا ووسط آسيا، واستقرّوا فيها منذ القرن السادس الميلاديّ. بحلول القرن الحادي عشر الميلادي نشروا تعاليم الإسلام بشكله الصوفيّ في المنطقة بعد أن أسقطوا السّيادة البوذيّة التي كانت تحكم المنطقة قبل وصولهم، وتوالى على حكم الإيغور منذ ذلك الوقت العديد من الخلفاء الذين كانوا بمثابة زعماء سياسيّين وروحيّين. في القرن السادس عشر وصل الحكم الصوفيّ لتركستان إلى ذروة مجده، خاصّةً بعد أن استولى آباك خوجا الحكم (Appaq Khoja) الذي ينحدر من سلالة شيوخ سمرقند، ويعتبر ضريحه إلى اليوم معلمًا سياحيًّا عظيمًا.
لكنّ ذلك المجد لم يدم طويلًا، فلاحقًا في عام 1759، أطاحت سلالة تشينغ (Qing) التي حكمت الصين بين عامي 1644-1911 بحكم الخوجا، وضمّت تركستان الشرقيّة (حيث يعيش الإيغور) إلى مناطق نفوذها، ولم يكن التشينغ وحدهم من حكم تركستان في تلك الفترة، بل كان الحكم الأساسيّ من شعب المانشو (Manchu) بمساعدةٍ من حّكامٍ من المنغول وزعماء من الهان (Han)؛ وهم الإثنية الأساسيّة للصينيين الحاليين، وأطلق على تركستان الشرقيّة اسم Xinjiang أو سنجان والتي تعني بالصينيّة (الحدود الجديدة). منذ ذلك الحين، بدأت الحركات الاستقلاليّة للإيغور بهدف استعادة سيطرتهم ومجدهم القديم في المنطقة، ولعلّ ذلك هو الحجر الأساس في مشاكلهم مع الحكومة الصينيّة الشيوعية الحاليّة.
منطقة سنجان اليوم
تعتبر منطقة شينجيانغ من أكبر المقاطعات الصينيّة (منذ أن ضمّتها إليها عام 1949) وأكثرها غنىً بالموارد الطبيعيّة، كما ونظرًا لموقعها المتوسّط بين البلدان التجاريّة العظمى، فقد اعتبرت مدنها من أهم مراكز التوقّف لتجّار طريق الحرير منذ أقدم العصور، فقد اعتمد اقتصادها بشكلٍ كبيرٍ على كلٍّ من الزراعة والتّجارة.
حتّى مؤخّرًا، كان معظم سكّان سنجان من الإيغور، ولكنّ معظمهم هاجر إلى الدّول المجاورة، بسبب هجرة أعداد كبيرة من الهان إليها بعد ضمّها إلى جمهوريّة الصين من جهةٍ، إضافةً إلى عدم استقرار المنطقة الناتج عن تعاقب الصّراعات فيها بين الحكومة الصينيّة وممارساتها المجحفة بحق السكّان، وبين التحرّكات الثوريّة ومحاولات الاستقلال المستمرّة للإيغور.
معاملة الصّين للإيغور
منذ الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت المنظمات الإيغوريّة نشاطها بهدف تحقيق استقلال الإيغور عن جمهوريّة الصين الشعبية، على اعتبار لا ينتمون إلى الدّولة آيديولوجيًّا، أو سيسيًّا، ولا حتّى تاريخيًّا. قوبلت هذه المحاولات من قبل الحكومة الصينيّة باعتبار أولئك الإيغور إرهابيّين وخارجين عن القانون، وبدأت بتطبيق رقابة صارمة جدًّا عليهم وعلى مجتمعاتهم.
تُتَّهَم الصين بقمع الإيغور أو التضييق عليهم بالعديد من الطّرق، ففي سنجان لوحدها يوجد 85 معتقلًا لاحتجاز الإيغور تدّعي الصين أنّها مراكز لإعادة التأهيل. كما تراقب الصّين الإيغور بشكلٍ مستمرٍ بحجّة أنّ منهم إرهابيّين قد يشكّلون تهديدًا للأمن القومي والاستقرار العام. في عام 2017، صدر في سنجان قانونٌ يمنع الرجال من إطلاق اللحى والنساء من ارتداء النقاب والبرقع الإسلامي الكامل الذي يغطّي كامل الجسد، إضافةً إلى تدمير العديد من المساجد في مختلف مناطق المقاطعة.
أيضًا، تواجه الصين اتهاماتٍ بتشجيع الهجرة الداخليّة إلى سنجان لزيادة عدد السكّان من غير الإيغورفي المدينة، بالإضافة إلى منع المعلّمين، والطلّاب والموظّفين الحكوميين من الصّوم خلال شهر رمضان. اليوم، لا زال الإيغور يناضلون للحصول على أبسط حقوقهم في الاعتقاد وحريّة الانتماء والرأي بدعمٍ من العديد من الدّول على أمل أن تتحقّق مطالبهم.