جهيمان العتيبي… مقتحم الحرم المكي

نور20 نوفمبر 2021آخر تحديث :
جهيمان العتيبي… مقتحم الحرم المكي

تحل اليوم الذكرى 42 لواقعة اقتحام الكعبة والتي عرفت حينها باسم «حصار مكة» حين اقتحم إرهابيون مسلحون يقودهم جندى سابق بالحرس الوطنى السعودي يدعى «جهيمان العتيبى» ساحات المسجد الحرام.

جهيمان بن محمد بن سيف العتيبى، قائد المجموعة المتشددة التى اقتحمت الحرم فجر يوم 1 محرم 1400 الموافق 20 نوفمبر 1979، موظف بالحرس الوطنى السعودى عدة سنوات

درس جهيمان الفلسفة الدينية فى جامعة مكة المكرمة والجامعة الإسلامية فى المدينة المنورة.

التقى جهيمان شريكه محمدَ بن عبد الله القحطانى بجامعة المدينة المنورة، وهو أحد تلامذة الشيخ عبدالعزيز بن باز.

توطدت العلاقة بين جهيمان و بن القحطاني والذي أدعى اثر حلم في منامه أنه المهدي المنتظر، وأن تخليده سيكون بتحرير شبه الجزيرةَ العربية والعالم من الظالمين

آمن جهيمان بكابوس صهره، وبدأ التفكير فى الطريقة التى يُعلن بها للعالم ظهور المهدى المزعوم، وبث ذلك الحلم إلى شريكه وشقيق زوجته، بعدما تَوَافَقَا فكريًّا، ليُقررا معًا اعتزال المجتمع ورفضه بدعوى أنه مجتمع كافر.

وبدأ ثنائي الشر في بث أفكارهما الهدامة التي لاقت رواجا بين عدد من ضعاف النفوس، لاسيما فى المساجد الصغيرة بالمدينة المنورة؛ حتى تحول أتباعه إلى جماعة بالآلاف

بث جهيمان وشريكه أفكار الشر بين أبناء المجتمع السعودي زاعمين بتكفير المجتمع؛ مطالبين الناس بهجر المجتمع ووسائله المدنية، مثل: الصحافة، والتلفزيون، واعتزال الناس

رفع الإرهابيون من جماعة جهيمان شعار عدم موالاة الأنظمة التى لا تحكم بشرع الله ولا تنتهى بنواهيه، وإقامة الحرب عليهم وإسقاطهم.

اختار جهيمان بداية عام 1400 الهجرى توقيتا لارتكاب الجريمة التى يحتل بها الحرم المكي؛ ليجبر الناس على البيعة للمهدى المزعوم

وقبل انطلاق أذان فجر، تمكن رجال جهيمان والقحطاني من ادخال عدد من التوابيت الى داخل الحرم على زعم أنهم موتى وجبت الصلاة عليهم قبل تشييعهم

كانت تلك التوابيت مملؤة بالأسلحة والمؤن والذخائر والتمر والماء إلى الحرم المكي.

وما ان صدح مؤذن الحرم بالآذان حتى اخترق نحو مائتى شخص باحة الحرم الشريف، حاملين النعوش التي لا تحمل جثامين موتى، وبعد مضي قرابة ثلث ساعة وأداء ركعتي الفجر سمع دوي أصوات عدد من المصلين بعد حركةٌ مريبة فى المسجد الحرام

استولى رجل ذو ملامح عابسة ووجه متجهم على مذياع الحرم المخصص لإمامه، ,طالب المصلين بالجلوس، والقى عليهم بيان احتلال العصابة الارهابية للبيت الحرام

ما أن عرف المصلين واللمعتمرين في ساحات الكعبة بأنهم محتجزين داخل أبوابة الموصدة؛ تدافع المصلين نحو صحن الطواف واستطاع عدد منهم الفرار بينما احتجزت الفئة الباغية رهائن كثيرة.

تسرب أتباع جهيمان من المسلحين بالقناصة إلى مآذن الحرم وتكتل أفراد الجماعة المسلحة لإغلاق للحرم في الجهة الجنوبية، فاشتبك مع أحد حراس المكان الذى حاول منعه، فانطلقت رصاصة من سلاحه صوب حلقة معدنية فى الباب، فارتدت على الرجل المسلح وأردته قتيلا

ساد الرعب بين الموجودين في الحرم المكي وأطلق الرهابيون وبدأت الأعيرة النارية تعوى بين المذعورين فى الحرم أطفال ونساء وعجائز ورجال.

تحدث أحد رجال الجماعة ويدعى خالد اليامى بصوت غريب على آذان زوار البيت العتيق، عن المهدى المنتظر وعلاماته وأهدافه وكيفية مبايعته

وبدأ الإرهابي جهيمان وأتباعه فى إجبار المصلين على التقدم نحو الكعبة بين الركن والمقام، ومبايعة زوج أخته محمد بن عبد الله القحطانى بصفته المهدى المنتظر.

تمكن الشيخ عبد الله السبيل من السير وسط الزحام، حتى وصل إلى غرفة له فى الحرم، وقام بالاتصال مباشرة بالشيخ ناصر بن حمد الراشد رئيس شؤون الحرم آنذاك، وأخبره بالأمر وأسمعه طلقات الرصاص.

وجه وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز قوات الامن السعوجدي لمحاصرة الحرم المكى مع التزام الهدوء وعدم مواجهة المسلحين منعًا لإراقة الدماء في بيت الله الحرام

بدأت جماعة جهيمان الإرهابية بإطلاق النار على قوات الأمن السعودية حول الحرم من مآذنه

وصل الأمير نايف إلى مكة المكرمة ليشرف بنفسه على العملية وعلى الخطط المتعلقة بتحرير الحرم، فيما أسرعت القوات السعودية إلى إبعاد زوار الحرم عن المكان تجنبًا للرصاص العشوائى الذى كانت تطلقه جماعة جهيمان.

وجه العاهل السعودي الملك خالد بن عبدالعزيز دعوة عاجلة لعدد من كبار علماء المملكة لاستصدار فتوى بوجوب قتال الارهابيين داخل الحرم

وصلت قوات الحرس الوطنى إلى الحرم المكى قادمة من جدة والطائف واتخذت أماكنها بجوار قوات الجيش استعدادًا لتنفيذ الاقتحام وتحرير البيت العتيق بمدرعات M113 مزودة برشاش عيار 30

وبحلول نهاية 23 نوفمبر، أصدر علماء الدين السعوديون في نهاية المطاف نص الفتوى التي طلبها الملك خالد، حتى أصبحت يد المملكة غير مقيدة والقوة الكاملة بيدها، بعد إصدار فتوى تبيح اقتحام المسجد الحرام بالأسلحة تم الهجوم وتمكنت المملكة من إطلاق اللواء فالح الظاهري المدرع، أولًا، للامتثال للفتوى، وتم إعلان دعوة من قبل السلطات موجهة الى منفذي عملية اقتحام الحرم المكي للاستسلام، عبر مكبرات الصوت.

وعندما تم تجاهلها، أطلقت الصواريخ على المآذن، ما أدى إلى تحييد القناصة، وقصفت المدفعية فتحة في جانب الصفا المروة، وتوغلت ناقلات الجنود المدرعة من طراز M113 من خلال الفتحة ومن خلال بوابة مروة المدمرة بالفعل.

لم يتم إنهاء الهجوم حتى نهاية يوم 24 نوفمبر، بعد ساعات من القتال والخسائر الكثيرة في الارواح، لكن المعركة كانت من أجل المسجد الحرام ولم تنته وقتها

قام جهيمان والمتمردون الناجون، إلى جانب بعض الرهائن والسجناء الذين أسروا، بالتراجع إلى القبو، لأكثر من 225 غرفة متصلة تحت المسجد.

في الثاني من ديسمبر، طار ثلاثة مستشارين من النخبة الفرنسية GIGN إلى الطائف، حيث أحضروا معهم إمدادات من مادة كيميائية تعرف بـ CB، كانت عبارة عن غاز مصمم لتضييق عملية التنفس على مستنشقه بشكل خطير، وكان قاتلًا إذا تم تنفسه لفترة طويلة.

درب العملاء الفرنسيون أعضاء من الإدارة العامة للمخابرات السعودية على كيفية استخدام تلك المادة الكيميائية، وزودوهم بأقنعة غاز وبدلات كيميائية حتى يتمكنوا من حماية انفسهم أثناء إطلاق الغاز.

كان التكتيك فعالًا جزئيًا واستغرق أكثر من 18 ساعة من القتال المرير الدامي قبل أن يتم اختراق المعقل الأخير في يوم الثلاثاء، 4 ديسمبر 1979م، 14 من شهر محرم 1400 هجريا – في العاشرة صباحًا – بدأ الهجوم واستمر حتى حلول المساء؛ وتمكنت قوة سعودية من الاستيلاء على الموقع المحتل من قبل المتمردين وتمكنوا من تحرير الرهائن في معركة خلفت نحو 28 قتيلًا من الإرهابيين، وقرابة 17 جريحا من قوات الأمن والمصلين، وتم إخراج الباقيين أحياء ومنهم الإرهابي جهيمان العتيبي منفذ الحادث.

اما القحطاني، الذي أعلن نفسه بأنه المهدي المنتظر، يُفترض أنه قُتل في اليوم الثالث أو الرابع من القتال، وعثرت القوات على آخر المتمردين الذين تجمعوا مع بعضهم البعض، محاطين بالتمر والماء التي هربوها إلى المسجد مع أسلحتهم.

في مساء يوم 5 ديسمبر، خاطب العاهل السعودي الاسبق الملك خالد شعب المملكة، وقدم شكره لله على الثناء على دعمهم له في عملية سحق الارهابيين الذين حاولوا الاستيلاء على المسجد الحرام

وكان العدد الرسمي الأخير هو 26 قتيلًا، بمن فيهم السعوديون والحجاج من باكستان وإندونيسيا والهند ومصر وبورما، وأكثر من 100 جريح ومن بين المهاجمين البالغ عددهم 260، قتل 117 شخصًا – مات 90 حيث قاتلوا فيما توفي 27 آخرون متأثرين بجراحهم في المستشفى.

في 9 جانفي 1980، أعلنت وزارة الداخلية السعودية أن 63 أسيرًا قد أُعدموا في ثماني مدن مختلفة.

وواجه جهيمان نفسه حكما بالاعدام لاجترائه على ارتكاب مثل هذه الجريمة في مكة في ذلك اليوم، وكان الثمن المدفوع لتحرير المسجد باهظًا – سواء من حيث عدد الأرواح المفقودة أو في الانعكاس المثير للحادث الذي أدى إليه

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل