أصبح معظمنا يتخذ من جوجل طبيب له و لعائلته فأحدهم يكتب أعراض مرضه على محركات البحث فيشخص نفسه بمرض خطير، وآخر يطبق وصفات بيتية من مواقع التواصل فيتضاعف ألمه بدل زواله، فبات أقرب وأيسر للمريض أن يسأل السيد جوجل بدل من حجز موعد وزيارة الطبيب المختص.
من خلفيات هذا الاعتماد على تشخيص التقنية عدة ظروف نتج عنها ما سبق، من بينها :
- أن بعض الناس ينظرون إلى الإنترنت على أنه أسرع وأسهل من زيارة الطبيب، فنقرة زر عبر هاتف محمول تقود إلى مئات النتائج من مصادر مختلفة وصور متنوعة، وربما تجارب مماثلة أيضا. كما يستعجل المريض معرفة تشخيصه بسبب خوفه وقلقه، فيفضل أسرع الطرق وأقربها، على أن ينتظر موعد الطبيب في اليوم أو الأسبوع التالي.
- و يسيطر الخوف أو التوقع النمطي المسبق على أذهان المرضى الآخرون، الذين يخافون زيارة الطبيب نتيجة تجارب سيئة من الماضي، أو يخشون من تلقي خبر سلبي حول نتيجة فحصهم، خصوصا إذا مر أحد أقربائهم أو أحبائهم بمرض مشابه، فيفضل المريض البحث عبر الإنترنت، وترجيح النتائج المرجوة، أو حشد الدلائل من مصادر شتى تدعم فرضيته
- و لا يمكننا إغفال العامل المادي أيضا اذ يعتبر العائق المالي مصدر نفور المريض من الطبيب و هذا بعد ارتفاع أسعار التشخيص الطبي بشكل جنوني هنا في الجزائر
التشخيص الطبي من جوجل قد يكلف المريض حياته و إضافة على ذلك:
التشخيص يختلف وفق حالة المريض وظروفه وسجله الطبي، فالنصائح الطبية عبر الإنترنت تكون عامة، وقد لا تناسب كل السائلين، فلا تتساوى الحلول بمجرد أنهم تشابهوا في بضعة عوارض، لذلك قد يقع السائل في شباك الوهم الإلكتروني، ففي حين أن حالته بسيطة مثلا، يقرأ عن حالات نادرة فيقلق ويتوتر ويبدأ بالتوسع سلبا، وقد يتقمص نفسيا المرض الذي قرأ عنه.
و بإحتمال كبير قد يقع المريض في التشخيص الخاطئ اذ ان اللجوء إلى الإنترنت حصرا يؤخر التشخيص، حيث يخاف المريض أو يطمئن فيؤجل زيارة الطبيب، أو قد يقع في التشخيص الخاطئ، فالمعلومات والمصادر على الشبكة ليس دقيقة وموثوقة دائما، حتى لو كانت بغطاء “دراسة طبية”، فهناك بعض الدراسات تكون ممولة وموجهة من شركات لترويج منتجاتها، بحيث هناك معايير خاصة للدراسات الطبية المحكمة، على عكس التي لا تشمل شريحة كبيرة أو تستند على أسس علمية ركيكة، فتؤدي إلى خلط وتشخيص غير دقيق.
على الأفراد معرفة أن التشخيص الطبي الصحيح هو عملية متكاملة لا يجوز أن تقتصر فقط على القراءة من الإنترنت، حيث تشمل الفحص السريري والمخبري، وتعتمد على تقييم حالة وسجل المريض، فالحساسية مثلا تختلف بين شخص سليم وآخر مصاب بمرض في الجهاز الهضمي. و من الواضح أنه من خلال ما سبق بعد التشخيص الطبي يلجأ المريض لوصفة علاجية عبر الإنترنت، قد تكون غير علمية أو غير مجدية، وفي بعض الأحيان تؤخر شفاء المريض، بحيث ان بعض الوصفات الطبيعية الشعبية يمكن أن تكون مفيدة، لكنها إضافة وليست بديلا عن الدواء الذي يصفه الطبيب المختص، لأن أمراضا مثل ارتفاع الكولسترول قد يكون مسببها وراثيا، ولا يجدي معها التزام نظام صحي فقط بمعزل عن الدواء.
و اذا اتخذ المريض جوجل طبيب له سيفقد التهيئة والدعم النفسي حيث يحرص الطبيب الحقيقي عند تشخيص مريضه على اتباع طريقة مناسبة لإخباره بحقيقة مرضه إن كان خطيرا، بمساندة مختص نفسي مرافق ومشاركة بعض أقرباء المريض، وهذه الميزة يخسرها السائل عبر الإنترنت.فقد يتلقى بدون مقدمات نبأ مرضه، الذي قد لا يكون دقيقا، وقد تصاحبه معلومات خاطئة تخيف المريض وتعيقه عن التقدم في العلاج، وتقول زعيتر إنها تجهد في بعض الأحيان مع المريض لتغيير الصور النمطية التي كونها من تصفحه العشوائي للإنترنت
رغم تداعياته السلبية لا يمكن إنكار الجانب الإيجابي في التوعية الطبية عبر الإنترنت -إن استخدمت بذكاء- و من الأصح أولا أخذ التشخيص الصحيح من الطبيب، ومن ثم تبدأ مرحلة الاستزادة والتوعية بعد معرفة المرض وتوصية خطة علاجية احترافية، فهناك العديد من المقالات الطبية المحكمة عبر الإنترنت، لكنها تُذكر قارئها دائما أنها لا تغني عن زيارة الطبيب، جسمنا ليس حقل تجارب والطبيب المختص أفضل من دكتور جوجل دائما.