جهيمان العتيبي و قصة استلائه على الحرم المكي

نور12 يوليو 2020آخر تحديث :
جهيمان العتيبي و قصة استلائه على الحرم المكي

في سبعينيات القرن الماضي كان رجل سعودي يدعى جهيمان العتيبي يعمل موظفا في الحرس الوطني السعودي، لكن اهتمامه الشديد بالدين جعله يتخلى عن وظيفيته (التي اعتبرها لاحقا سياط الطغات الظالمين) واتجه نحو الدعوة واصبح واعظا، بدأ العتيبي يعارض توجه دولة أل سعود الفتية ورفض سياستها الخارجية كما أنكر عليها ادخال الادوات التكنولوجية الحديثة كالتلفاز باعتبارها فتن، ثم عمل على تحريض انصاره للقيام باعمال شغب ضد الدولة لأنها لم تقم بالحفاظ عل القيم الاسلامية الاصيلة في البلاد، كان ذراعه الأيمن في كل هذا هو شخص يدعى محمد عبد الله القحطاني (اصبح صهره فيما بعد)، ومع تنامي نشاطهما المعادي لسياسة السعودية قررت في الأخير اعتقالهما وسجنهما، ولما استنفدا عقوبتهما وخرجا من السجن إدعى العتيبي امام حشد من المهتمين بدروسه انه رأى في منامه أن الله عزوجل قد أخبر بأن صديقه محمد عبد الله القحطاني هو المهدي المنتظر الذي سيظهر على الأرض قبل سنوات قليلة من يوم القيامة واستغل العتيبي صدفة توافق اسم صاحبه (محمد بن عبد الله)) مع بعض الأحاديث المروية عن النبي(ص) والتي ذكر فيه اسم المهدي المنتظر استغل هذا الأمر لإقناع اتباعه، كما اخبرهم بأن اول خطوة اخبره الله بها هي تحرير بيته الحرام من حكم  أل سعود الفاسدين.
كان العتيبي يمتلك ميليشية مسلحة كانت ساعدت أل سعود كثيرا في البداية على الوصول للحكم لذلك لم تقم الدولة أنذاك بمصادرة اسلحتها،
‏مع بزوغ فجر غرة محرم من عام 1400 هجري الموافق 20 نوفمبر 1979 ‏دخل جهيمان وجماعته المسجد الحرام في مكة المكرمة لأداء صلاة الفجر يحملون نعوشا، وأوهموا حراس المسجد الحرام أنها نعوش لموتى سيصلون عليها صلاة الميت في الحرم بعد صلاة الفجر، والحقيقة أن هذه النعوش كانت توابيت خزنوا داخلها أسلحة نارية وذخائر.
‏وما أن انفضت صلاة الفجر حتى قام جهيمان وصهره أمام المصلين في المسجد الحرام ليعلنوا للناس نبأ “ظهور المهدي المنتظر”، وفراره من “أعداء الله” واعتصامه في المسجد الحرام، ثم قدم جهيمان إلى المصلين صهره محمد بن عبد الله القحطاني باعتباره “المهدي المنتظر” ومجدد هذا الدين.
‏وقام جهيمان وأتباعه بمبايعة “المهدي المنتظر” وطلبوا من جموع المصلين مبايعته، وأوصدوا أبواب المسجد الحرام فوجد المصلون أنفسهم محاصرين داخل المسجد الحرام، وفي نفس الوقت كانت هناك مجموعات أخرى من جماعة جهيمان تقوم بتوزيع منشورات ورسائل وكتيبات كان جهيمان قد كتبها.
قام بهجومه المسلح على مسجد الله الحرام الذي كان يعج بخمسين ألف من المصلين والمعتمرين يأدون صلاة الفجر، سيطر المسلحون على كامل المسجد الحرام وباحة الكعبة بسهولة، كانت التغطية الأمنية السعودية في مكة عموما وفي الأماكن المقدسة ضعيفة وقليلة لأن الدين الاسلامي يحرم سفك الدماء هناك ولأنه أمر لم يكن متوقع اطلاقا حدوثه، تمركز القناصة المسلحون في المأذن فيما الأخرون اتخدوا عدد من المصلين رهائن واطلقوا سراح الأغلبية، حاول 100 ضابط شرطة سعودي استعادة المسجد لكن فشلوا وقتل العديد منهم، تسارعت الأحداث وطلبت الملك خالد من رجال الدين فتوى شرعية تجيز لهم القيام بعملية عسكرية واسعة داخل الأماكن الطاهرة، فكانت له ذلك شريطة ان يعرض على المسلحين الاستسلام أولا، رفض اتباع العتيبي الاستسلام واطلاق الرهائن وفاوضوا الدولة على شروطهم المتمثلة في تغيير سياستها والعودة للاسلام الحقيقي والاعتراف بالقحطاني بأنه هو المهدي المنتظر، رفضت السلطات ما أسمته بترهات وخزعبلات العتيبي وجماعته وقامت على الفور بالاستعانة بالجيش الباكستاني والفرنسي ووضع خطة محكمة للقضاء على كل المسلحين، وفعلا تم اخلاء المدينة كلها وقامت طائرات حربية فرنسية بانزال ناجح لجنودها داخل الحرم المحاصر بعد اسبوعين وحدثت اشتباكات مسلحة كبيرة وفي الأخير تم القضاء على التمرد واستعادة السيطرة على كل المسجد الحرام.
اسفرت هذه الأحداث بحسب الارقام الرسمية التي شُكك كثيرا في مصداقيتها عن مقتل 255 شخص بين حاج ومسلح وجندي واصابة 560 أخرين، كما قتل محمد عبد الله القحطاني في تبادل اطلاق النار مع الجنود الفرنسيين، في حين تم اعتقال العقل المدبر جهيمان العتيبي مع   المتمردين و في 9 جانفي 1980 تم تنفيذ حكم  في هذه الواقعة حسب أحكام القضاء الشرعي السعودي، حيث أعدم 61 مدانا في مقدمتهم جهيمان العتيبي وسجن 19 آخرون.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل