الخيانة التي أدت إلى سقوط بغداد بيد المغول و أنهت الخلافة العباسية

نور11 سبتمبر 2020آخر تحديث :
الخيانة التي أدت إلى سقوط بغداد بيد المغول و أنهت الخلافة العباسية

‏في عام 640 للهجرة، وصل إلى حكم الخلافة العباسية المستعصم ، وكان لديه وزيرين من أهم وزرائه، أحدهما هو مؤيد الدين ابن العلقمي والثاني هو الدويدار ،، وفي تلك الأثناء كانت الدولة الخوارزمية المسلمة، في حـرب مع هولاكو، الذي بدأ بالتقدم نحو العالم الإسلامي، دون أن تحرك دولة الخلافة أي ساكن.
‏وفي تلك الأثناء حصلت بعض المناوشات بين أهالي الكرخ وأهالي البصرة العراقيين، وكان الأمر على أساس طائفي،فأهل الكرخ كانوا شيعة، وأهالي البصرة كانوا من السنة و كان الوزير الدويدار سنياً فرأى أن أهالي البصرة على حق،وكان الوزير ابن العلقمي شيعي فرأى أن أهالي الكرخ على حق،وبدأ بينهما خلاف
‏انتهى إلى أن نقلوه لابن المستعصم الذي يدعى أبو بكر، وقام بتأييد الدويدار وإنهاء الأمر على ذلك الأساس.

بعد ذلك بدأ هولاكو يدخل إلى أراضي الدولة العباسية، وتم نقل تلك الأمور إلى الخليفة المستعصم بالله، لكنّه لم يكن رجل دولة‏ فأتاه وزيره الدويدار وطلب منه إذناً بأن يحرّك جيش الدولة العباسية الذي كان تعداده حوالي 200 ألف ويخرج به لإيقاف تقدم هولاكو. كان ذلك الجيش الكبير هو السبب الذي جعل هولاكو لا يفكر بالاقتراب من بغداد، كونها عاصمة الدولة العباسية ومركز ثقلها وفيها جيش كبير للغاية.‏لم يستجب المستعصم لطلب الدويدار، وأصرّ على أن يبقى الجيش في بغداد، معتبراً أنه ضمان لأمنها وسلامها في حال فكر هولاكو القدوم إليها ولم يقبل بنجدة باقي أراضي الدولة العباسية.‏لم ينسى ابن العلقمي ما كان من آل العباس وخاصة أبو بكر ابن المستعصم بحقه يوم خلافه مع الدويدار، فبدأ يفكّر كيف يستفيد من قوة هولاكو وجيشه، ويجعل نفسه خليفة وحاكماً بدلاً من المستعصم بالله.‏فأرسل ابن العلقمي الرسائل إلى هولاكو الذي كان منشغلاً بمن يعرفون تاريخياً باسم “الحشـاشين” الذين كان منهم رجلاً عالماً بالفلك والنجوم يسمى “نصير الدين الطوسي”، والذي كان هولاكو يعتمد عليه في التنجيم الذي يأخذ قراره على أساسه.‏عرض هولاكو على مستشاريه رسائل ابن العلقمي، وأخبرهم أنه يدعوه إلى القدوم إلى العراق والسيطرة عليها، فأشاروا عليه أن لا يذهب لأن العراق فيها جيوش كبيرة، وأن يقوم بدلاً من ذلك بإرسال رسائل لابن العلقمي يسأله عن كيفية دخول العراق وبغداد وفيها تلك الجيوش العظيمة.‏وصلت رسائل هولاكو إلى ابن العلقمي، يسأله فيها عن أمر الجيش وكيف سيتجاوزها، فلم يجبه ابن العلقمي، بل بدأ بالعمل على إنقاص عدد الجيش العباسي.

وأشار ابن العلقمي على المستعصم بالله أن يقوم بتسريح عدد من جنود الجيش كونهم يشكلون مصاريف كبيرة لا داعي لها،‏وأن إبقاء 10 أو 20 ألفاً من الجيش كافية لحماية الدولة وبغداد آنذاك،فوافق المستعصم وبدأ ابن العلقمي بتسريح الجنود.وصل الأمر بذلك إلى الدويدار،الذي توجه إلى المستعصم وحاول ان يثنيه عن قراره لكنه لم يقبل معه ورأى أن ما يفعله ابن العلقمي أمراً صحيحاً،إلى أن وصل عدد الجنود لـ 10 آلاف.
‏بعد ذلك، أرسل ابن العلقمي إلى هولاكو يخبره بأن أعداد الجيش في بغداد باتت قليلة، داعياً إياه للقدوم حالياً، على أن يقوم هولاكو بالقضاء على المستعصم بالله وعائلته، ويسلّم الحكم لابن العلقمي كعامل له ‏بدأ هولاكو بالتوجه نحو عاصمة الدولة العباسية بغداد، وفي طريقه كان يجـ.ـتاح بعض المدن والقرى التي كان أهلها يرسلون رسائل إلى مقر حكم الدولة العباسية، لكن تلك الرسائل كانت تصل لابن العلقمي الذي كان يعتبر الوزير الأول بالدولة وهو كان يخفيها عن الجميع.
‏وصل هولاكو مع جيشه إلى أسوار بغداد، وقام بالإحاطة بها من كل جانب، وعندها اجتمع المستعصم بالله بوزيريه الدويدار وابن العلقمي وبعضاً من حاشيته، يسألهم عن الحل، فقال ابن العلقمي أن الحل لديه، وطلب الإذن ليذهب إليهم ويفاوضهم، فأذن المستعصم له.‏خرج ابن العلقمي إلى هولاكو، وأول ما تحدث به معه كان الوعد الذي قاله له بأن يسلمه حكم العراق بدلاً من المستعصم، فقال هولاكو أنه على وعده، طالباً منه أن يقوم بإخراج المستعصم وعائلة آل الخلافة إليه.‏عاد ابن العلقمي إلى القصر، وأخبر المستعصم بأن هولاكو ليس لديه نية لدخول بغداد، وإنّما مرّ بالعراق وأراد السلام على المستعصم والتفاوض معه حول بعض الأمور، وقد تمكن ابن العلقمي بطريقة أو بأخرى من إقناع المستعصم بالخروج.
‏جهّز المستعصم الهدايا، وحضّر أسرته معه وخرج للقاء هولاكو واستقباله، فخرج من أسوار بغداد وبصحبته كبار رجال الدولة من علماء وأدباء ووزراء بعدد قدر بحوالي 700 شخص.
‏فور وصولهم، استقبلتهم الجيوش المغولية، بأن قامت بعزل المستعصم بالله عن الوفد المرافق له، ومن ثم تم إعطاء الأمر لقتلهم جميعاً على مرأى من أعين المستعصم الذي شهد المشهد بعينه.‏بعد ما حدث أمامه، طلب المستعصم بالله من هولاكو أن يبقي على حياته، مقابل أن يدفع له نصف خراج الدولة وكل ما يملكه من أموال، وهو ما أعجب به هولاكو.‏ليتدخل ابن العلقمي ويخبر هولاكو بأن خراج الدولة كله سيكون له بالأصل بمجرد ذهاب المستعصم ووصوله إلى الحكم، ليتفاجأ المستعصم بخيانة وزيره التي لم يكن قد كشفها سابقاً.‏وكان من مرافقي هولاكو رجلاً آخر عالم بالفلك مسلم يدعى “حسام الدين”، وعندما شاهد ما حدث أمامه، قال لهولاكو أن النجوم تخبره بأن قتل الرجل العباسي وإر ا قة د مه سيؤدي لهلاك جيش هولاكو ومرضه.‏بعد أن اقتنع هولاكو، أشار نصير الدين الطوسي برأي أخر، فقال اقتلو هذا الرجل دون أن تريقوا دمه، ضعوه داخل كيس من الخيش واضربوه إلى أن يموت، وهو ما أعجب به هولاكو وأمر بتنفيذه، فتم ذلك.

‏نهاية ابن العلقمي
وفي عام 656 للهجرة، دخلت جيوش المغول إلى بغداد، وذكر ابن كثير في مقدمة كتابه يقول “أكره أن أكتب نعــوة المسلمين بيدي”، إذ شهد ذلك العام أحـداثاً لا توصف من شــدتها، فقد قــتل المغول أكثر من 700 ألف إنسان في بغداد خلال 40 يوماً، وبصحبتهم ابن العلقمي.‏بعد شهر أو شهرين من دخول المغول إلى بغداد، بدأ ابن العلقمي ينظر للناس حوله، فلم يتوقع أن هذا ما كان سيحدث، فذهب إلى هولاكو وطالبه بتطبيق الاتفاق وأن يسلمه الحكم.‏سخر منه هولاكو، وأمر أن يتم إركابه على الحمار وأن يلفون به شوارع بغداد، وفي تلك الأثناء مرت إحدى النساء فقالت له :” إيه يابن العلقمي، أهكذا كان بنو العباس يعلمونك؟”.
‏ويقال أن ابن العلقمي بعد ذلك الموقف نزل من على الحمار واتجه إلى منزله، ولم يخرج منه لأكثر من ثلاثة أيام وهو يبــكي نادماً على مافعله بدولته وبنفسه، إلى أن تــوفي من النـدم الذي لم يفد بشيء، وتنتهي قصّة واحد من أعظم الخــونة في التاريخ.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل