روز آيلاند.. دولة يملكها شخص واحد أنهت إيطاليا وجودها

عمار17 يناير 2021آخر تحديث :
روز آيلاند.. دولة يملكها شخص واحد أنهت إيطاليا وجودها

كثيرون يحلمون بالعيش في عالمهم الخاص، حيث لا قواعد إلا ما يقررون، ولا زوار إلا المرحب بهم، هذا الحلم حققه المهندس الإيطالي “جورجيو روزا”.

“روزا”، الذي توفي في 2016، كان شخصا متمردا، مولعا بالاستقلال وكسر القواعد، ذهب بخياله، إلى حد بناء عالمه الخاص، وتمكن بالفعل من بناء “جزيرة الورد” أو “روز آيلاند” (Rose Island) التي ضمت مطعما وبارا ومتجرا للهدايا التذكارية وحتى مكتب بريد، وأعلنها دولة مستقلة حتى دمرتها دولة أوروبية.
فمن هو جورجيو روزا وما حكاية “جزيرة الورد”؟

أمير الفوضويين

ولد “جورجيو روزا” في ماي  1925 في مدينة بولونيا الإيطالية، وحصل على شهادة الهندسة الميكانيكية عام 1950.
نشأ متمردا، لا يعبأ بالقواعد والقوانين، حاول والده كثيرا إدراجه في منظومة القوانين والمجتمع، فزاده ذلك تمردا، وكان يشعر دائما بأنه يساء فهمه؛ لذلك قرر بناء عالمه الخاص، جزيرة في عرض البحر، ترمز للحرية والحكم الذاتي بدون قوانين يمليها أحد على الآخر.
يقول عنه ابنه “لورنزو روزا” في حديث مع “بي بي سي” (bbc) “كان والدي مهندسا، ويكفي في إيطاليا وصفه بهذه الطريقة لفهم نوع الشخص الذي كان عليه، لقد كان شخصا دقيقا للغاية ومنظما للغاية، مهندس بالمعنى الألماني للكلمة، باستثناء هذا الوريد الصغير من الجنون، الذي دفعه إلى بناء منصة لنفسه، ثم أعلنها دولة خارج المياه الإقليمية، وهو ما جعله نوعا ما أميرا للفوضويين”.

حلم تغلب على الصعاب

وسط البحر، على بعد حوالي 12 كيلو مترا “6.3 أميال بحرية” من ساحل “ريميني”؛ أي خارج حدود المياه الإيطالية، بنى”روزا” جزيرته الخاصة، وكانت عبارة عن منصة خرسانية بمساحة 400 متر في المياه الدولية.

بدأ “روزا” عام 1958 العمل على بناء الجزيرة مع صديقه “ماوريتسيو”، الذي كان يعمل، حينها، في بناء السفن مع والده.

واستغرق تحقيق حلمه ما يقرب من 10 سنوات كاملة، لم تخل من العقبات والصعاب.

ففي عام 1962، وكان العمل ما زال قائما في الجزيرة، أمرت السلطات الإيطالية شركات البناء بإزالة جميع العوائق أمام الملاحة.

لكن “روزا” قاتل للاحتفاظ بما أنجزه واستكمال ما تبقى، وبعد الاتصال بسلطات الموانئ، اشترى مساحة على رصيف الميناء، وحصل على إمدادات وقود الديزل والإذن ببناء الهيكل الخرساني، ونشر إشعارا للبحارة يحذر من وجود الهياكل؛ ليتمكن من إعادة البناء في 1964، كل ذلك ولم تكن نيته واضحة للمسؤولين.

وفي عام 1966، أمرت السلطات بوقف أعمال البناء، التي كانت تفتقر إلى الترخيص؛ لكن بناء الجزيرة استمر، ووضعت أخيرا منصة خرسانية مسلحة بمساحة 400 متر مربع من طابق واحد رغم أن الخطة الأولية كانت تستهدف إنشاء 5 طوابق، وفقا لـ”ونتيد إن روم” (Wanted in rome).

مياه عذبة وسط البحر

كان التحدي الأكبر لـ”روزا” هو الحصول على مصدر للمياه العذبة لجزيرته، وباستخدام مثقاب الخزان الجوفي على عمق حوالي 280 مترا تحت البحر جلب المياه العذبة إلى الجزيرة بأكملها.

في أوت  1967 افتتحت الجزيرة، وأصبحت على الفور منطقة جذب سياحي لآلاف الأشخاص، الذين طالبوا بالحصول على جنسيتها، وتم إعلانها في العام التالي دولة مستقلة برئاسة “جورجيو روزا”.

بدأ القلق يساور السلطات بمجرد اكتمالها، حيث جذبت منصة “روزا” انتباه الصحف الإيطالية بسرعة، وعلى خلفية الاضطرابات العالمية مع حرب فيتنام واحتجاجات الحقوق المدنية، توافد الشباب إلى جزيرة “الورد” من أجل المتعة والحرية.

بذل المسؤولون والسياسيون جهودا مضنية لمحاولة إغلاقها، حيث حاولت الحكومة الإيطالية تشويه سمعتها من خلال الادعاء بأن الجزيرة كانت تستخدم في أنشطة غير قانونية مثل المقامرة وتعاطي المخدرات. وأنها تشكل تهديدا للأمن القومي، ويمكن أن توفر غطاء للغواصات النووية السوفياتية، في محاولة منهم للقضاء عليها.

جمهورية “الإسبرانتو”

واجه “روزا” الضغوطات بتشكيل حكومة لجزيرته تضم وزير مالية، ووزير شؤون داخلية ووزير خارجية، وأعلن الجزيرة جمهورية لها طوابع وعملة خاصة، وكذلك لغة مستقلة تكون لغة الدولة الرسمية هي “الإسبرانتو”.

وسميت الجزيرة “جمهورية الإسبرانتو بجزيرة الو رد”، وفق الموقع السياحي الإيطالي “فيسيت ريميني” (Visit-rimini).

مع زيادة الضغوطات والتهديدات الموجهة من الحكومة الإيطالية، تقدم “روزا” بطلب إلى المجلس الأوروبي لحل النزاعات بين الدول للاعتراف وتسجيل جزيرته جمهورية مستقلة.

وفي الحال قررت الحكومة الإيطالية تدمير الجزيرة، التي أعلن عنها لأشهر قليلة، لم تنهدم الجزيرة رغم استخدام مجموعة من المتفجرات، فقامت البحرية بالمحاولة مرة أخرى بعد يومين من المحاولة الأولى؛ لكن باستخدام متفجرات أقوى، وتمكنت من تشويه هيكل المنصة.

وبعد أيام قليلة انهارت الجزيرة تماما نتيجة رياح قوية، وفي الأشهر التالية تم تفكيك الجزيرة وإزالتها بالكامل، ورغم ذلك عثر على بعض بقايا هيكل وجدران الجزيرة في قاع البحر عام 2009.

فيلم بعد 50 عاما

أسدل الستار على الجزيرة، وأعلن المجلس الأوروبي عدم قدرته على اتخاذ قرار بشأنها؛ لأنها خارج المياه الإقليمية الأوروبية.

لكن الأمم المتحدة، لمنع وقوع حوادث مشابهة عينت الحدود البحرية الإقليمية 12 ميلا بحريا من الشاطئ بدلا من 6 أميال بحرية.

ورغم أن حكاية الجزيرة بما تحمله من تفاصيل ملهمة وإرادة غير طبيعية، لم تأخذ حقها في الانتشار والمعرفة، حتى الشهر الماضي حينما قامت منصة “نتفليكس” (Netflix) بإنتاج وعرض فيلم يروي الحكاية.

حتى أن بطلة فيلم “روز آيلاند” الإيطالية “ماتيلدا دي أنجيليس” قالت في حديث لـ”بي بي سي” “أنا من بولونيا، وعندما قرأت النص، تساءلت لماذا لم يقم أحد من قبل بفيلم عن القصة.. إنه أمر لا يصدق حقا”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل